التّصرّم والتّجدّد بالذّات. فالامور المتفاصلة ، كالآنات ، لا تعرضها [٢٢ ب] القبليّة والبعديّة إلّا إذا كان هناك كمّ متصل لا على قرار الذّات بتّة.
إيماض
(٣٤ ـ الحركة والزّمان سابقة على الحدوث)
وهناك تبيان من مسلك آخر ، فإنّ تعاقبات الحوادث وتخصصاتها بأوقاتها المتسابقة المتلاحقة مع كون الفعّال المختار الّذي هو فاعل الحقائق وواهب الصّور (١) حكيما في وجوده ، مريدا بحكمته ، متكبّر المجد عن مصنوعاته ، مستوى النّسبة إلى مجعولاته ، ممتنع التّغيّر في ذاته وصفاته ، سرمديّ الفعليّة من جميع جهاته.
ومن المستحيل أنّ يرجّح المختار بإرادته لا بمرجّح ويخصّص لا بمخصّص ، وإلّا استلزم أن يترجّح الشّيء ويتخصّص لا بمرجّح ومخصّص. وهو فطرىّ الفساد ، إجماعىّ الاستحالة. إنّما تكاد تستتبّ لو حصلت هناك أسباب متعاقبة تهيّئ المادّة للتغيّرات وتعدّها لقبول الفيوض بالاستعدادات ، فيكون كلّ سابق علّة لاستعداد المادّة لقبول اللّاحق. فهو لا محالة واجب الانتهاء إلى اللّاحق. فلا يصحّ أنّ تكون تلك المتعاقبات آنيّات متفاصلات الوجود ، وإلّا لم يكن يجب لوجود شيء منها أن يكون متعلقا البتة بوجود الآخر ، فلم يكن السّابق واجب الانتهاء إلى اللّاحق ، فلم يكن علة معدّة له ، وإنّما تتجدّد المعدّات المتعاقبة بما له تجدّد الحدوث بذاته ، وهو الحركة.
فإذن ، لا ينتظم أمر الحدوث إلّا بالحركة المتّصلة المنحفظة التّجدّد المستمرّة الاتّصال إلى حين فيضان الحادث ، فلا حدوث في أفق التّغيّر لو لا الحركة. فقد تبيّن سبق الحركة على الحدوث واتّصالها من هذه الجهة ، فاستبان سبق الزّمان واتّصاله أيضا لانطباقها عليه بتّة.
__________________
(١) بشركاء الصّناعة يعنون ، بواهب الصّور : الجوهر المفارق الّذي هو الفعّال ، وقد عبّر عنه لسان الوحي بروح القدس. وأما أنا فلست أستحل أن يطلق «واهب الصّور» على غير الوهّاب الحقّ ، إلّا أن يقيّد بإذن الله. بحيث أذكر «واهب الصّور» على الإطلاق فإنّما أعنى به «البارئ الخلّاق. وإذا رمت العقل المفارق ، قلت : الّذي يهب الصّور بإذن ربّه ، اقتداء بالتّنزيل الكريم : (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) (كهيعص ، ١٩). منه ، دام ظلّه العالي.