ليس يظهر له شيء منها عن ذواتها داخلة في الزمان والآن ، بل عن ذاته ، والترتيب الذي عنده شخصا فشخصا بغير نهاية ، فعالم علمه بذاته هو الكلّ الثاني لا نهاية له ولا حدّ. وهناك [١٦٠ ظ] الأمر».
فهذه أقوالهم بألفاظهم. وليس فيها ما يوهم نفى العلم بالجزئيّات أصلا ، فانظر إلى بعض أعاظم المتحذلقين ، كالشيخ الغزالىّ وأترابه ، كيف يجرّءون أنفسهم على تحريف الكلم وترجيف القلم بالتّشنيع حيث لا يفقهون قولا ولا يعقلون دليلا ولا يدركون غورا ولا يهتدون سبيلا. واستفت الذين يظنّون بهم انّهم أحبار الأمّة وائمّة الدين وحجج الإسلام ، أهم أشدّ ضلالة أم أنتم؟ بل أنتم قوم تجهلون.
[٢٤] إحصاف
إنّ من حصيف البيان قول رئيس الحكماء في («التعليقات» ، ص ١٢٢) : «الأوّل يعقل ذاته ويعقل لوازمه ، وهي المعقولات الموجودة [١٦٠ ب] عنه ، ووجودها معلول عقله لها ، ويعقل لوازم تلك الموجودات ، ومن لوازمها الزمان والحركة. وأمّا الفاسدات فإنّه يعقلها فاسدة من جهة أسبابها وعللها ، كما تعقل أنت فاسدا إذا عقلته من جهة أسبابه. مثال ذلك : إنّك إذا عقلت انّه كلّما تعفّنت مادّة في عرق يتبعها حمّى ، وتعلم مع ذلك من الأسباب والعلل أنّ شخصا ما يوجد تحدث فيه هذه ، فتحكم أنّ ذلك الشخص يحمّ. فهذا الحكم لا يفسد وإن فسد الموضوع.
وشيء آخر : وهو أنّ المعقولات التابعة للمحسوسات [١٦١ ظ] ممّا لم يدرك بعلّة ، فإنّ كلّ ما نحسّ به نعقله من وجه ، وإن لم يكن معقولا من جهة العلل والأسباب ، فإنّه زمانىّ متغيّر. وبالحقيقة ، المدرك الزمانىّ يكون بالحسّ والتخيّل ، إذ نحن ليس يمكننا أن نصادف شيئا جزئيّا إلّا في زمان. والأوّل حكمه بخلاف حكمنا ، فإنّ الزمان هو معقول له من كلّ وجه ، وهو محسوس لنا من وجه ومعقول من وجه. والمشخّصات أيضا معقولة من وجه ما ، فإنّ وضعا ما أوجبه سبب من الاسباب يمكن أن يعقل ذلك السبب كليّا ، والوضع كليّا.
والأوّل لمّا عقل هذه [١٦١ ب] الأشياء على تراتيب وجودها أدركها كلّها على تراتيبها. والشخص وإن كان في الوجود شخصيّا ، فإنّ ذلك الشخص عقلىّ عنده من