يجوّز التغيّر في صفاته تعالى عاند في هذا الموضع وأنكر التغيّر أصلا ، وقال : بأنّ الشيء سيوجد هو العلم بوجوده حين وجد ، إلى أمثال ذلك من التمسّكات الواهية.
وأمّا الحكماء ، فالظاهريّون من المنتسبين إليهم قالوا : إنّه تعالى عالم بالجزئيّات على الوجه الكلّىّ ، لا على الوجه الجزئىّ. فقيل لهم : لا يمكن أن تنكروا وجود الجزئيّات على الوجوه الجزئيّة المتغيّرة ، وكلّ موجود فهو في سلسلة الحاجة [١٦٣ ب] إلى البارى تعالى الذي هو مبدؤه وعلّته الأولى ، وعندكم أنّ العلم التّام بالعلّة التامّة مستلزم للعلم التامّ بمعلومها ، وأنّ علم البارى تعالى بذاته أتمّ العلوم. فأنتم بين أن تعترفوا بعلمه تعالى بالجزئيّات على الوجوه الجزئيّة المتغيّرة وبين أن تقرّوا بانثلام إحدى المقدّمات المذكورة ، إذ من الممتنع أن يستثنى من الأحكام الكليّة العقليّة بعض جزئيّاتها الداخلة فيها ، كما يستثنى من الأحكام النقليّة بعضها ، لتعارض الأدلّة النقليّة بعضها لتعارض الأدلّة السمعيّة. فهذا هو المذاهب المشهورة.
وأمّا التحقيق في هذا الموضوع [١٦٤ ظ] فيحتاج ، كما قيل ، إلى لطف قريحة. ولنقدّم لبيانه ما نحتاج إليه فيه ، فنقول : إن تكثّر الأشياء إمّا أن يكون بحسب حقائقها أو يكون بحسب تعدّدها مع اشتراكها في حقيقة واحدة ، والكثرة المتفقة الحقيقة إمّا أن تكون آحادها غير قارّة ، أى لا توجد معا أو تكون قارّة ، أى توجد معا.
والأوّل من هذين القسمين لا يمكن أن يوجد إلّا مع زمان أو في زمان ، فإنّ العلّة الأولى للتغيّر على هذا الوجه في الوجود هي الموجود غير القارّ لذاته الذي يتصرّم ويتجدّد على الاتصال ، وهو الزمان ، ويتغيّر بحسبه ما هو فيه أو معه تغيّرا [١٦٤ ب] على الوجه المذكور.
والثاني لا يمكن أن يوجد إلّا في مكان أو مع مكان ، فإنّ العلّة الأولى للتكثّر على هذا الوجه في الوجود هي الوجود الذي يقبل الوضع لذاته ، أى يمكن أن يشار إليه إشارة حسّيّة. ويلزمه التجزّي بأجزاء مختلفة الأوضاع بالمعنى المذكور وبالمعنى الذي يكون لبعض الأجزاء نسبة بأن يكون في جهة من الجهات منه وعلى بعد من تلك الأبعاد غير تلك الجهة والبعد. وكلّ موجود يكون شأنه كذلك فهو مادّيّ.
والطبائع المعقولة إذا تحصّلت في أشخاص كثيرة تكون الأسباب الأول لتعيّن