وهو عبارة عن حضورها ، بل الحاضر بذلك الاعتبار زمانىّ ، أى واقع في الزمان ، فإنّ الحوادث لمّا كانت مختصّة بأزمنة معيّنة كان كلّ منها حاضرا في وقته ، [١٧١ ب] لا فى الوقت المتقدّم على ذلك الوقت ولا في الوقت المتأخّر عنه ، فيكون حضورها باعتبار الوجود العينىّ مختصّا بتلك الأزمنة المعيّنة. ولا يخلو إمّا أن تكون تلك الحوادث بعينها باعتبار الوجود العينىّ علما بها أو حضورها باعتبار ذلك الوجود علما بها. وعلى التقديرين كان العلم بها باعتبار الوجود العينىّ زمانيّا ، أى واقعا في الزمان. فعلمه تعالى الحادث المتعلق بالحادث باعتبار وجوده العينىّ مخصوص بالزمان ومختلف بالمضىّ والحاليّة والاستقبال. نعم ، العلم المقدّم على الإيجاد ليس زمانيّا ولا تغيّر فيه أصلا.
وهو : إمّا إجماليّ هو عين ذات الواجب الوجود تعالى. ولا يخفى أنّ الجزئيّات باعتبار هذا العلم [١٧٠ ب] معلومة على الوجه الجزئىّ. فإن قيل : إنّها باعتبار هذا العلم معلومة على الوجه الكلىّ. فهو إنّما يصحّ بتأويل.
وإمّا تفصيلىّ ، وهناك لا يحتاج في تصحيح ذلك القول إلى تأويل أصلا. فإنّ الجزئيّات قبل الإيجاد الخارجىّ إنّما تعلم على الوجه الكلىّ ، فإنّ كلّ شخص من الأشخاص قبل الإيجاد يكون معلوما بوجه كلّىّ منحصر في شخص ، وفي وقت الإيجاد يكون معلوما بذاته على وجه يكون مانعا من وقوع الشركة فيه.
وكأنّك بما أوتيت لو حصّلته كدت تقول : يا أيّها المتوهّم ، ألم تفقه ، من تضاعيف أقوال الحكماء بمناطيق عباراتهم ، فضلا عن أساليب إشاراتهم ، أنّ الحوادث الزمانيّة [١٧١ ظ] المترتّبة المتسلسلة إنّما تتعاقب في الوجود ويتقدّم بعضها على بعض تقدّما زمانيّا بالنسبة إلى الداخل فقط ، أى باعتبار أن يؤخذ وجود بعضها بالقياس إلى وجود بعض آخر أو يؤخذ جميع السلسلة بالنسبة إلى أمر آخر زمانىّ.
وأمّا بالنّسبة إلى ما ليس بزمانىّ ، كالبارى تعالى ويكون لا محالة خارجا عن السلسلة
بأسرها ، ولا يتصوّر له اختصاص بشيء من الأزمنة قطعا ؛ فلا تعاقب لها في الوجود ، ولا تقدّم لشيء منها على شيء ولا تأخّر أصلا ، بل الجميع متساوية الإقدام في الحضور لديه ، فإنّ الزمان لا يتّصف بالمضىّ [١٧١ ب] ومقابليها مقيسا إلى ذاته