تعالى ووجوده ، فهو يتنزّه عن أن يقال : بعض الأزمنة ماض وبعضها مستقبل وبعضها حال بالنسبة إليه ، بل هو محيط بالكلّ دفعة واحدة ، كما تحقق.
فتقدّم وقت على وقت إنّما يصحّ بالنظر إلى هويّتى الوقتين بحسب وقوعهما في امتداد الزمان. وأمّا بالقياس إلى من هو محيط بهما معا ، فلا يصحّ ذلك وإن صحّ اختصاص كلّ منهما بحدّ معيّن من ذلك الامتداد. والحوادث وإن كان وجودها العينىّ هو بعينه علم المبدأ الأوّل بها ، لكن وجودها العينىّ لباريهما ـ أعنى وجودها الرابطىّ ـ هو عين معلوميّتها له ، وبذلك الاعتبار لا يلحقها تقدّم وتأخّر ، [١٧٢ ظ] بل إنّما يلحقها ذلك باعتبار وجودها في أنفسها بالنظر إلى هويّاتها المختصّة بحدود معيّنة مقيسا بعضها إلى بعض. وهي بهذا الاعتبار معلومات ، لا صور علميّة. فإذن المعلومات زمانيّة ، والعلم بها غير زمانىّ ، ومع ذلك فإنّ وجودها في الأعيان هو نفس معلوميّتها.
وهذا ممّا يحوج إلى تلطيف للسرّ وتنزيهه عن الوهم ، فليتدرّج إليه من تصوّر الأمر في المكانيّات. أليس كلّ منها في نفس يتقدّم بالمكان على الآخر أو يتأخّر عنه. ولا يمكن ذلك لها بالقياس إلى البارى تعالى ، إذ لا يختلف نسبتها المكانيّة في الحضور عنده بالقياس [١٧٢ ب] إليه تعالى ، وإن اختصّ كلّ منها بمكان معيّن.
ثمّ يا صاحب الوهم ، ما قصدت بالعلم المقدّم على الإيجاد ، إن عنيت بذلك التقدّم الزمانىّ ، فلا يسوغ وصف ذاك العلم به أصلا ، فكيف والإجمالىّ منه عين ذاته تعالى ، كما اعترفت به ؛ والتفصيلىّ منه يكون على الوجه الكلىّ حسب ما اقتضاه نظرك ، فلا يكون شيء منه زمانيّا. وذلك التقدّم لا يتّصف به إلّا الزمانيّات ؛ وإن عنيت به التقدّم السرمديّ على سياق ما حصّلناه من نضيج الحكمة ، فقولك : إنّه ليس زمانيّا ، صحيح ، لكنّ العلم الحادث حين الإيجاد على زعمك أيضا ليس بزمانىّ ، ولا بمختلف [١٧٣ ظ] بالتقدّم والتأخّر الزمانيّين أصلا ، لما تعرّفت ، فتفقّه ولا تكن كمن يصطاد حمام حرم الحكمة بشبكة الوهم فيضلّ ضلالا بعيدا.
[٢٨] زيادة كشف وإيقان
أما قرع سمعك ، بل استبان لديك ، أنّ التقدّم والتأخّر الزمانيّين يرجعان إلى زمانى المتقدّم والمتأخّر ، وإنّما يكون اتصاف غير أجزاء الزمان بهما بالعرض ، فإنّ مفاد