الحكم بهما أنّ متى المتقدّم قبل متى المتأخّر ، وكذلك المعيّة الزمانيّة هي كون متى أحد المعين هو بعينه متى الآخر. فما لا يكون زمانيّا لا يصحّ وصفه بشيء من هذه المعانى أصلا. فالمتصف بهما [١٧٣ ب] مقصور عند الحكماء على الزمانيّات لا يتعدّاها.
فإذن تقدّم ذات البارى تعالى ووجوده وعلمه على شيء من الحوادث الزمانيّة ، كالذى يوجد من بعد ، وهو معدوم بالفعل مثلا ، ليس تقدّما زمانيّا ، فكيف وليس لوجوده أيضا ولا تعالى زمان يتصف هو باعتبار ، بذلك التقدّم ؛ ولا أيضا مكانيّا ، وهو ظاهر ؛ ولا تقدّما بالعليّة ، لامتناع تخلّف المتأخّر بالعليّة عن المتقدم بها في الوجود ، الخارجىّ قطعا ، ولا بالطبع ، لأنّ العقل يجد هناك نحوا آخر من التقدّم غير ما بالطبع يأبى عن المعيّة في الوجود ؛ ولا بالشرف لذلك بعينه ، فيكون هو لا محالة [١٧٤ ظ] تقدّما آخر خارجا عن الاقسام الخمسة يسمّى على طور حكمتنا التقدّم السرمديّ.
والفلاسفة لم يذهبوا عن ذلك ، بل هم ناصّون عليه في هذا المقام ، ثمّ إنّهم ناسون له عند تهوّسهم بإثبات القدم وحين عدّهم أقسام التقدّم والتأخّر.
[٢٩] نصّ ورصّ
قال الشيخ الرئيس أبو على في كتاب («التعليقات» ، ص ١٥٨) : «واجب الوجود يجب أن تكون لوازمه ، وهي معلوماته ، معه ، لا تتأخّر عنه تأخّرا زمانيّا ، بل تأخّر المعلول عن العلّة». وقال (ص ٥٨) : «المعلومات لم تزل كائنة له معلومة له ، وكلّها متميّزة عنده ، أى يعلم كلّ واحد منهما متميّزا عن الآخر». [١٧٤ ب].
وقال (ص ١٥٢) : «الأوّل هو السبب في لزوم المعلومات له ووجوبها عنه ، لكن على ترتيب ، وهو ترتيب السّبب والمسبّب ، فإنّه مسبّب الأسباب ، وهو سبب معلوماته ، فيكون بعض الشيء متقدّما علميّته له على بعض». وقال (ص ١٥٢) : «العقل البسيط هو أن يعقل الشيء ولوازمه إلى أقصى الوجود معا ، لا بقياس وفكر وتنقّل في المعقولات ومعرفة الشيء أوّلا واللوازم ثانيا». ثمّ قال (ص ١٥٢) : «فهذا النّحو من التعقّل [بسبب] تعقّل الأول لذاته ولوازم عنها وللموجودات كلّها : حاصلها وممكنها [و] أبديّها ، وكائنها وفاسدها ، وكليّها وجزئيّها ، فإنّه [١٧٥ ظ] يعقلها كلّها معا على الترتيب السببىّ والمسبّبىّ ، وهو يعقلها من ذاته ، لأنها فائضة عنه وذاته مجرّدة. فهو عاقل ذاته وذاته