تنقسم إلى ماض ومستقبل ، والمتغيّر يدخل في الزمان بواسطة التغيّر.
فما جلّ عن التغيّر والحركة فليس فيه ماض ومستقبل ، فلا ينفصل فيه القدم عن البقاء ، بل الماضى والمستقبل إنّما يكون لنا إذا مضى علينا أو فينا أمور ، وستتجدّد أمور. ولا بدّ من أمور تحدث شيئا بعد شيء ، حتى تنقسم إلى ماض [١٨٩ ظ] قد انعدم وإلى حاضر ، وإلى ما يتوقع تجدّده من بعد. فحيث لا تجدّد ولا انقضاء فلا زمان. وكيف لا ، والحقّ تعالى قبل الزمان ، وحيث خلق الزمان لم يتغيّر من ذاته شيء ، وقبل خلق الزمان لم يكن للزمان عليه جريان ، وبقى بعد خلق الزمان على ما عليه كان. ولقد أبعد من قال : البقاء صفة زائدة على ذات الباقى ، وأبعد منه من قال : القدم وصف زائد على ذات القديم. وناهيك برهانا على فساده ما لزمه من الخبط في بقاء البقاء وبقاء الصفات وقدم القدم وقدم الصفات». انتهى.
ولقد أصاب في أخذ هذا الأصل من الفلاسفة [١٨٩ ب] ، لكنّه خبط في جعل الحركة بذاتها منقسمة إلى الماضى والمستقبل ، فإنّ ذلك إنّما هو من جهة الزمان ، كما سلف تحقيقه ، ولم يحصّل معنى قبليّة الحقّ بالنسبة إلى الزمان على اصل حكمىّ يوثق بأن ينبى عليه إشراق عقلىّ. كيف يكون البارى تعالى زمانيّا ، وهو محدث الزمان ومبدعه ، بل موجد ما هو محدث الزمان ، ومحدث الشيء لا يكون مشمولا له ، فضلا عمّن يوجد محدثه.
وهذا المعنى ممّا نبّه عليه معلّم الفلسفة المشّائيّة أرسطوطاليس في كتاب «السماء والعالم» وفي غيره من الكتب الطبيعيّة والإلهيّة ، حيث بيّن أنّ الزمان إنّما هو عدد حركة [١٩٠ ظ] الفلك وهو يحدث عنه ، وما يحدث عن الشيء لا يشمله. فإذن البارى تعالى خارج عن الزمانيّات وأرفع من أن تجرى عليه أحكامها.
[٧] استيناف
أليس لهذا الأصل الحكمىّ ـ أعنى أنّ البارى تعالى أعلى من أن يوصف بالبقاء ، بل هو محيط بالبقاء ، على أن تكون الأكوان الزمانيّة منه ، كنحو الظلّ من ذى الظلّ ، بل ما هناك أرفع وأشدّ مرّات متضاعفة اللّانهاية أشباه وأتراب في مراتب الحكمة ، كما يقال : إنّ ذات المبدأ الأوّل تعالى أعلى من أن يوصف بالتماميّة ، بل هو فوق التمام ، وأنّه