[١٣] تسديد
فأنت إذن لست تزاغ عن الحقّ بما يوهمه ظاهر كلام الشيخ [١٩٧ ب] : إنّ الحركة اسم لمعنيين : الأوّل ، الأمر المتصل المعقول للمتحرك من المبدأ إلى المنتهى. وذلك ممّا لا حصول له في الأعيان ؛ لأنّ المتحرك ما دام لم يصل إلى المنتهى ، فالحركة لم توجد بتمامها ، وإذا وصل فقد انقطع وبطل. فإذن لا وجود له في الأعيان بل في الذهن. وذلك لأنّ للمتحرّك نسبة إلى المكان الذي تركه وإلى المكان الذي أدركه. فإذا ارتسمت صورة كونه في المكان الأوّل في الخيال ، ثمّ قبل زوالها عن الخيال ارتسمت صورة كونه في المكان الثاني ، فقد اجتمعت الصورتان في الخيال ، فحينئذ [١٩٨ ظ] يشعر الذهن بالصورتين معا على أنّهما شيء واحد. الثاني ، هو الأمر الوجوديّ في الخارج ، وهو كون الجسم متوسطا بين المبدأ والمنتهى ، وهو حالة موجودة مستمرّة ما دام الشيء يكون متحركا ، وليس في هذه الحالة تغيّر أصلا. نعم قد يتغيّر حدود المسافة بالفرض ؛ لكن ليس كون المتحرك متحركا ، لأنّه في حدّ معين من الوسط ، وإلّا لم يكن متحركا عند خروجه منه ، بل لأنّه متوسّط على الصفة المذكورة ، وتلك الحالة ثابتة في جميع حدود ذلك الوسط ، وهذه الصورة توجد في المتحرك في آن ، لأنّه يصحّ [١٩٨ ب] أن يقال له ، في كلّ آن يفرض ، : إنّه في حدّ متوسّط لا يكون قبله ولا بعده فيه.
والذي يقال ، من أنّ كلّ حركة ففى الزمان ؛ فإمّا أن يعنى بالحركة الأمر المتصل ، فهو في الزمان ووجوده فيه على سبيل وجود الأمور فى الماضى ، لكن تباينها بوجه آخر. فإنّ الأمور الموجودة في الماضى قد كان لها وجود في آن من الماضى ، وكانت حاضرة فيه ، ولا كذلك هذا ؛ وإمّا أن يعنى بها المعنى الثاني ، فيكون كونه في الزمان ، لا على معنى أنّه يلزمه مطابقة الزمان ، بل على معنى أنّه لا يخلو من حصول قطع ذلك القطع [١٩٩ ظ] مطابق الزمان ، فلا يخلو من حدوث زمان ، ولأنّه ثابت فى كلّ آن من ذلك الزمان فيكون ثابتا في هذا الزمان بواسطة.
فقد استبان لديك أنّ ما قصد نفيه أنّما هو وجود الحركة المتصلة في الأعيان على سبيل قرار الذات واجتماع الأجزاء في الآن ، لا الوجود في مجموع زمان الحركة