ربما تعدّ المطلقة في الموجّهات توسّعا ، كما تعدّ السالبة في الحمليّات ، فلا يوثق بما يقال في دوام صدقها مع الذهول عن ذلك الأصل. ولقد تحقق ، أيضا لديك في ما تأسّس من قبل ، أنّ مفاد المطلقة العامّة الفعليّة والدائمة إنّما هو التحقّق في أحد الأزمنة وفي جميع الأوقات في الموضوعات الزمانيّة ، لا في نفس الزمان ولا في ما يرتفع عنه.
[٢٢] نقاوة عرشيّة
فإذن تحقق لديك أنّ ما لا يتعدّى طور الحقّ في تحقيق علم المبدأ الأوّل تعالى ، يشبه أن يكون هو ما ذهبت إليه [٢٠٨ ظ] محققة الأوائل من الفلاسفة ومحصّلة القدماء من الحكماء ، حسب ما تلى عليك مفصّلا. وتلخيصه : أنّ علمه تعالى ، بحسب الأخيرة من المراتب التفصيليّة بجميع المعلومات من الموجودات العينيّة والصور الإدراكيّة الأذهان ، هو عين وجود تلك المعلولات في الأعيان وعين صور تلك المدركات في الأذهان.
فكلّ موجود عينىّ شخصىّ بحسب وجوده العينىّ إذا اعتبر ذلك وجود إله في نفسه معلوم ، وبحسب ذلك الموجود بعينه إذا اعتبر أنّه وجود رابطىّ له ، أعنى بذلك أنّ يلحظ أنّه بعينه وجود ذلك الموجود لبارئه المجرّد ، أى حضوره [٢٠٨ ب] عنده علميّة حضوريّة لبارئه تعالى. وكذلك الصورة الإدراكيّة باعتبار وجودها في أنفسها في الذهن معلومة ، وباعتبار أنّ ذلك بعينه وجود رابطىّ لها للمبدإ الأوّل تعالى ، أى حضور لها عنده صورة علميّة حضوريّة له تعالى. فجميع معلوماته تفيض عنه منكشفة عليه ، وفيضانها عنه بعينه معلوميّتها ومعقوليّتها له ، وعلمه بكلّ موجود كلّىّ أو شخصىّ علم به من طريق العلم بأسبابه المؤدّية إليه. وهذا علم تعقّلي وإن كان بالجزئىّ بجزئيّته وشخصيّته. فمعلوماته بأسرها مترتّبة في علمه تعالى من تلك الجهة الترتّب [٢٠٩ ط] السببىّ والمسبّبىّ.
وأمّا الترتّب التعاقبىّ بين الحوادث الزمانيّة المتعاقبة من جهة تعاقب الأجزاء المفروضة للزمان والحركة ، فلا يكون بالنسبة إليه وبالقياس إلى علمه قطعا ، بل إنّما يجرى ذلك بين تلك الأجزاء بما يختصّ بها من الحوادث الزمانيّة باعتبار وجوداتها في حدود أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض في وعاء الوجود الزمانىّ ، وهي بذلك