عدمه ، بل معنى كونها أزليّة أنّ تلك العدمات لا بداية لها ولا ترتّب بينها ، بخلاف وجوداتها ، فإنّ لها بداية وترتّبا ، فليس يفرض شيء من أجزاء الأزل إلّا وينقطع فيه شيء من تلك العدمات التي لا بداية لها بوجود من تلك الوجودات ، وليس لأجزاء الأزل أوّل في جانب الماضى.
فإذا وجد في كلّ منها حركة وانقطع فيه عدمها ، لم يكن هناك محذور. إلّا أنّ الوهم ، لقصوره عن إدراك الأزل ، يحسب أنّه وقت معيّن يجتمع فيه وجود الحركة وعدمها.
وأمّا أنّ كلّ ما يقبل الزيادة والنقصان ، ففى طبيعته استيجاب أن يكون له بداية ، فيشبه أن يكون أوهن من ظنونهم في هذا المقام.
[٢٨] صديع نور عقلىّ لصدع غيوم وهميّة
السبق الذي لا يجتمع بحسبه السابق والمسبوق إن كان بحيث يمكن بحسبه تصوّر مرور ممتدّ غير قارّ الذات بهما فهو سبق زمانىّ ، ومعروضه بالذات أجزاء الزمان. وإنّما يوصف غيرها به من حيث مقارنته لما هو معروضه حقيقة.
وإن كان بحيث لا يستوجب تخلّل زمان أو آن بينهما ، ولا يمكن للعقل بمعونة الوهم تصوّر مرور متصل غير قارّ الذات بهما ، بل إنّما كانت السابقيّة والمسبوقيّة بحسب صرف وجود السابق وعدم المسبوق من دون أن يتصوّر هناك استمرار [٢٢٤ ب] أو لا استمرار ، لكونهما معا غير زمانيّين أو لكون السابق وحده غير زمانىّ ؛ كان ذلك قسما آخر من السبق ، ويشبه أن يكون أحرى ما يسمّى به التقدّم السرمديّ أو الدهريّ.
فالعقل إنّما يحكم هناك بأنّ ذات السابق متقدّمة بأن كانت متحققة دون المسبوق ثمّ تحقق المسبوق ، لا على أن يمكن أن يتخلّل بينهما زمان أو آن ، فالوجود أعمّ من أن يكون تحققا صرفا أو تحققا في زمان أو آن. وكذلك العدم.
فإذن تصدّعت غيوم أوهام المتهوّسين بالقدم ، حيث يستدلّون على أزليّة الزمان وأبديّته بأنّه لو وجد بعد عدمه ، [٢٢٥ ظ] أو عدم بعد وجوده ، لزم أن يسبق عدمه وجوده أو وجوده عدمه سبقا لا يجتمع معه السابق والمسبوق. وذلك سبق زمانىّ ليس معروضه حقيقة إلّا أجزاء الزمان ، فيكون الزمان موجودا على تقدير عدمه.
ومن ثمّة قال معلّم الفلسفة المشائيّة أرسطوطاليس : «من قال بحدوث الزمان فقد