نعم هذا القول المغلط يعضل به الأمر بالمتكلّمين ، حيث يضعون أنّ للمعلولات عدما قبل وجودها مستمرّا غير متناه ، متخلّلا بينهما وبين البارى تعالى ، يتوهّم بحسبه أزمنة موهومة غير متناهية يعبّر عنها بالأزل ويمكن وجود حركة في كلّ جزء من أجزاء ذلك الأزل الموهوم ، فليس لهم عن ذلك محيص.
والشيخ أيضا لم يورده على أنّه نظر برهانىّ ، بل إنّما أورده على أنّه مسكّت للمتوهّمين مبكّت للمتكلمين على قانون الجدل. [٢٢٩ ب].
قال في إلهيّات «النجاة» في عنوان الفصل المعقود لبيان هذه الشكوك (ص ٢٥٧) : «إنّ المخالفين يلزمهم أن يضعوا وقتا قبل وقت بلا نهاية وزمانا ممتدّا في الماضى بلا نهاية ، وهو بيان جدلىّ إذا استقصى قاد إلى البرهان».
وما قال في («التعليقات» ، ص ١٣٨) : «الزمان لا يمكن رفعه عن الوهم ، فإنّه لو توهّم مرفوعا ، لأوجب الوهم وجود زمان يكون فيه الزمان مرفوعا لهذا أثبت المعتزلة هاهنا امتدادا ثابتا بين الأوّل وبين خلق العالم ، وسمّوه «اللّاوجود».
وهذا مثل ما أثبت خلأ يكون فيه وجود العالم ، وإنّه إذا توهّم العالم [٢٣٠ ظ] مرفوعا ، وجب وجود الأبعاد ، فإنّه يتوهّم دائما فضاء غير متناه. ولذلك يتوهّم امتدادا ثابتا. وكلاهما محال. وفي امتناع ارتفاعهما عن الوهم دليل على أنّ الزمان سرمديّ والعالم سرمديّ ، وأنّ الأوّل يتقدّم عليهما بذاته لا غير. ولا يمكن أن يتوهّم الوهم الزمان إلّا شيئا متقضّيا سيّالا لا يثبت على حال وعندهم أنّ هذا الامتداد الثابت هو وعاء الزمان. وهو محال ، إذ هو نفس الزمان ، فإنّه متقضّ متجدّد سيّال ، فإنّ ذلك الجزء من الامتداد ، الذي كان فيه مثلا زمان الطوفان ، هو غير الجزء الذي [٢٣٠ ب] فيه هذا الوقت لا محالة» ؛ فإنّما هو من تنصيصاته على أنّ ذلك مذهب استدلالىّ يصحّ على قوانين الجدل بناء على مسلّمات الأقوام المذعنة للأوهام ، لا على مسالك البرهان حسب ما تقتضيه الحكمة الحقّة النضيجة.
[٢٩] حكومة
كأنّ طريق التهوّس بالقدم سبيل بتّه ما حصّلناه. وأمّا ما تشبّث به المتكلمون ، «من إنكار وجود الزمان رأسا تارة ، وجعل تقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض قسما آخر