[٣٢] حكمة إلهيّة
أتفطنت ممّا قرع سمعك : أنّ الزمان والحركة التي هي محلّه أخرجا من العدم في الواقع إلى الوجود. فهما بجميع أجزائهما مسبوقان بالعدم. والبارى تعالى أخرجهما بهويّتهما الاتصاليّتين من العدم البحت والليس المطلق إلى الأيس والوجود في وعاء الدهر مرّة واحدة. فكلّ جزء منفصل بحسب الوهم عمّا يسبقه ، يتقدّمه بحسب وجوده [٢٣٦ ب] في نفسه شطر من الزمان والحركة ، لا بحسب نسبته إلى بارئه ، فلا يتخلّل بين شيء من تلك الأجزاء وبين بارئها زمان ولا آن أصلا. وسنبرهن من ذى قبل إن شاء الله تعالى على أنّ مفارقات المادّة من الطبائع الإمكانيّة أيضا كذلك. فإذن الممكنات طرّا حادثة حدوثا دهريّا.
ثمّ هي على أضرب : منها حوادث زمانيّة يسبق وجود كلّ منها شطر من الزمان والحركة ، وهي الحوادث الكونيّة الماديّة ، ومنها زمانيّة تتصف بالمقارنة للزمان والانطباق عليه ، لكنّها ليست ممّا يتقدّم وجوده شطر من الزمان ، كالحركة التي هي فلا محلّ الزمان معنى [٢٣٧ ظ] تتصف بالحدوث الزمانىّ ، بل هي قديمة زمانيّة ، على أنّها موجودة في جميع أجزاء الزّمان ، وإن كانت حادثة دهريّة موجودة بعد عدمها في الواقع ، ومنها مفارقات غير زمانيّة هي أيضا حوادث دهريّة ، وهي موجودات إبداعيّة ولا تتصف بشيء من القدم والحدوث الزمانيّين ، إلّا على أحد التّفسيرين للقدم الزمانىّ ، إذ على التفسير الآخر يشترط في مفهوميهما جميعا كون الشيء زمانيّا. ولو اصطلح على إدراج الحدوث الدهريّ في المسمّى بالحدوث اصلا ، بل كانت الزمانىّ لم يتصف شيء من الممكنات بالقدم الزمانىّ بجملة آحادها [٢٣٧ ب] هي حوادث زمانيّة.
لكن ما نطقت به ألسنة الشرائع المتلقّاة من قبل السّانّين الشارعين المعصومين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، ليس إلّا أنّ العالم بجميع أجزائه حادث ، بمعنى أنّه كان معدوما ، وقد أخرجه مبدعه من العدم إلى الوجود ، لا أنّ كلّ ممكن يتقدّم وجوده شطر من الزمان والحركة. كيف وهذا ممّا لا ينبغى أن يسبق إليه وهم أصلا ، فإنّ من الممكنات نفس الزمان والحركة ، ولا أنّ كلّ ممكن يجب أن يطلق عليه لفظة الحادث الزّمانىّ ، [٢٣٨] فإنّ الفرض إنّما تعلّق بإثبات ذلك المعنى المحصّل من