زمان ، لكونه غير مختصّ بزمان أو بمجموع الأزمنة ، فتقدّمه [٢٤٠ ظ] على أيّ شيء كان إنّما هو التقدّم السّرمديّ من جهة سبق الوجود والتقدّم بالذات أيضا من جهة العلّيّة ، فإذن لا يكون شيء بالقياس إليه أشدّ تأخّرا من شيء ، بل الحادث اليومىّ والحادث الأمسىّ بل الأزل والأبد في مرتبة واحدة من التأخّر عنه. نعم بعض الأشياء بحيث لا يوجد في نفسه إلّا بعد انقضاء زمان وحركة ، وأمّا المتقدّمات الزمانيّة فبعض المتأخّرات عنها ربما يكون أشدّ تأخّرا بالنسبة إليها من بعض آخر. فعيسى ، مثلا ، أشدّ تأخّرا بالنسبة إلى نوح من موسى ، صلوات الله تعالى على نبيّنا وعليهم.
وهذا كما [٢٤٠ ب] أنّ تقدّم البارى تعالى على المكان ليس تقدّما مكانيّا ، ولا على شيء من أجزاء المكان. والمكان وأجزاؤه سواسية في نحو التأخّر عنه ، وأنّ شيئا من المكانيّات لا يكون أقرب إليه أو أبعد عنه من مكانىّ آخر ، كما يكون ذلك في المكانيّات بقياس بعضها إلى بعض.
[٣٤] تبصير تفريعىّ
فلعلّك إذن تتفطّن أنّه لمّا كانت أجزاء الزمان حاضرة عند البارى تعالى دفعة ، فلا تتمايز هناك أوّليّة عن آخريّة. فكلّ زمان فإنّ نسبة أوّله إليه تعالى كنسبة آخره. فكما أنّه بأوّله [٢٤١ ظ] ينتهى إليه تعالى فكذلك بآخره منته إليه وسبيل الزمانيّات كلّها بالنسبة إليه ذلك. وأمّا ما ليس بزمانىّ فإنّ أوّله بعينه هو آخره ، وهو ينتهى إليه تعالى ، فهو أوّل كلّ شيء وآخره فهو الأول والأخر على الإطلاق.
وهذا معنى آخر لأوّليّته وآخريّته غير ما ارتسم في أكثر الأذهان ، وغير ما حصّله الحكماء المحصّلون ، من جهة أنّه تعالى فاعل الوجود وغايته على الإطلاق ، وغير ما نحقّقه عند تحقيق سلسلة البدو والعود إن شاء الله.
ولقد أنلناك بذر الفحص ، [٢٤١ ب] فأنت منه في روضة التحقيق على طلع مبين ، فلا عليك إذن إلّا اجتناء ثمرة الحقّ من شجرة اليقين.
[٣٥] خصومة جدلية على أسلوب برهان
يا زمرة المتهوّسين بالقدم ، يا أسارى الطبيعة الوهمانيّة؟ ألستم تجعلون البارى