جهة عوارضه ، معقول من جهة ذاته ؛ فالحسّ ينال أعراضه ، كالسطوح والألوان والأشكال مثلا. فإذا أدّاها إلى العقل حكم بوجوده موضوعا لها ، فلذلك استغنى عن الإثبات ، لا لكونه محسوسا في ذاته.
فلمّا استبان بطلان متحيّز بالذّات لا يتجزّى أصلا ، ضرورة أنّ ما منه إلى جهة ما غير ما منه إلى سائر الجهات بتّة ، بان أنّ بين سطوح الجسم الفارد جوهرا متصلا بذاته ، ثخينا ممتدا بجوهره في الأبعاد ، منبسطا في الامتدادات ، وهو بجوهر ذاته يقبل القسمة لا إلى نهاية ، وما يخرج إلى الفعل من انقسامات في طباعه قوّة قبولها متناهية العدد بالفعل ، غير متعيّنة ، مرتّبة التناهي بالوقوف عند نهاية أخيرة لا تتعدّاها. وكذلك شاكلة جملة المتّصلات من المقادير القارّة ، والمقدار الغير القارّ ، والحركات القطعيّة المتّصلة. فعلى ذلك اتّفاق الرّاسخين وإجماع المحصّلين.
إيماض
(٣ ـ الهيولى الاولى ولها قوّة القبول)
ثمّ اختلفت فئون من الأواخر [٢٥ ب] والأوائل ، فصارت المشّائية وقرمهم ومقرمهم أرسطوطاليس إلى أنّ هناك جوهرا آخر ذا وحدة شخصيّة مبهمة ، طباعه قوّة قبول الاتّصال والانفصال ، وفعليّة استعداد حمل الصّور ، ولا نهاية قوّة الانفعال ، يحلّه الجوهر المتّصل ، فيتجوهر منهما الجسم ، وهو الهيولى الاولى الباقية بشخصيّتها في الاتّصالات والانفصالات. والجوهر المتصل غير منحفظ الوجود الشخصىّ ، بل متبدّل التشخّص ومتوارد الأشخاص عليها.
والرواقية والإشراقية وإمامهم وعصامهم أفلاطون الإلهيّ : إلى أنّ الجوهر المتصل هو نفس حقيقة الجسم ، وهو المحفوظ بهويّته الشّخصيّة في الاتّصال والانفصال ، أي : الوحدة الاتّصاليّة والكثرة الانفصاليّة ، وهما عرضان متواردان عليه في وحدته الشّخصيّة المستمرّة الانحفاظ بعينها أبدا.
وبالجملة ، كلّ ما يقال في الجوهر المبهم بالقياس إلى الصّور الجوهريّة ، يقال فيه بالقياس إلى الأعراض المتبدّلة ، ولا تزول الصّورة الشّخصيّة الجوهريّة. ولا هناك جوهر آخر أصلا. فهذا تحديد حريم المتنازع فيه ، فلنرصد الحقّ بالنظر الغائر والفحص البالغ.