السّقاية الأولى
فيها فرقان شئون الموجود بحسب أطوار أوعية الوجود ثمّ سياق التّبيان على نمط آخر
إيماض
(١ ـ الزّمان والمكان والدّهر)
ألم يستبن لك ، في حكمة ما فوق الطّبيعة ، أنّ الامتداد من خواصّ المتّصلات ليس يصحّ أن يوصف به إلّا الكميّات القارّة ؛ والكميّة الغير القارّة هو بمقابله إلّا مباديهما ، اللهمّ إلّا بالعرض بحسب المقارنة لما هو الموصوف حقيقة.
فالأيس بما هو أيس واللّيس بما هو ليس خارجان عن جنس الامتداد واللّاامتداد ، و [٤ ب] الاستمرار واللّااستمرار ؛ كقولنا : «الكيف خارج عن القسمة واللّاقسمة ، والفلك لا خفيف ولا ثقيل ، والصّوت لا مرئيّ ولا متستر» ، أي غير داخل في الجنس ، لا كقولنا : «هذا الماء لا حارّ ولا بارد» أي فاتر خارج عن الطّرفين بالمتوسّط.
فإذا كان الموضوع من الزّمانيّات أو الآنيّات ، وصف الوجود والعدم بالاستمرار أو اللّااستمرار ، لا بما هما وجود وعدم ، بل بحسب المقارنة لامتداد الزّمان أو لامتداد الآن ؛ وإن كان من الدّهريّات المحضة لم يكن يعقل هناك شيء من ذلك أصلا. والزّمان متى المتزمّنات ، وليس لنفسه متى ، بل هو موجود في الأعيان لا في زمان ، كما ليس لنفس المكان أين وهو أين المتمكّنات ، والدّهر وعاء وجود الزّمان.
والقوى الشّاهقة من الأنوار القدسيّة والمفارقات النّوريّة ، لتجرّدها عن المادّة وغواشيها وعلائقها وسلاسلها وأغلالها ، متقدّسة عن الأين والمتى ، وموجودة في وعاء الدّهر ، لا في زمان وآن أو مكان وحدّ ، ولا في جميع الأزمنة والآنات أو جملة الأمكنة والحدود. والبارئ الفاطر ، وهو نور الأنوار ، جلّ مجده ، مستقرّ على عرش السّرمد ومحيط بالدّهر والزّمان وما فيهما جميعا ، وكبرياؤه متعال عن ذلك كلّه ، و