كمالىّ ، لا بالقوّة على ما توهّم ، من حلّ معارضة وهمه عقله ، وهناك أيضا يتّحد العلم والعالم والمعلوم. ولا فساد فيه ، كما يظهر على ذوى الفطرة القويمة.
وأمّا علمه تعالى بالمعنى الثّالث بمعلولاته على سبيل التّفصيل ، فليس عينه ، بل عين معلولاته ، ويتّحد هناك العلم والمعلوم فقط.
وعلمه تعالى بالمعلومات ليس بأخذ صورة المعلوم ـ كعلمنا بالأمور الخارجة من ذواتنا الغير الصّادرة عنّا ـ فإنّ معلومنا من هذه الأمور بالذّات هى الصّورة الذّهنيّة ، والأمر الخارجىّ معلوم بالعرض ـ بل علمه تعالى بالأمور العينيّة والصّورة الإدراكيّة بنفس ذواتها كعلمنا بأنفسنا وصفاتنا النفسانيّة ، والصّورة الذّهنيّة المرتسمة في عقولنا ، والصّورة المرتسمة في القوى الآليّة للنفس ، لا تصوّرها لها ؛
فتكون معلولاته من الأمور العينيّة والصّور الإدراكيّة في معلوميّتها له تعالى ، أو الصّور المعقولة المرتسمة في الآلات في معلوميّتها لنا. فاحفظ ذلك ، لئلا تزلّ قدمك كسائر أقدام العقول والأفهام.
ثمّ قد يقال : إنّ علم النّفس أيضا بجميع الأشياء حضورىّ ، بناء على أنّ العقل ليس هو النّفس ، بل هو قوّة للنفس ، كما أنّ الوهم والخيال وغيرهما آلات لها ؛ والمجرّدات ترتسم من العقل ، كما أنّ المادّيّات ترتسم من الآلات ، والقوى والعقل وسائر القوى حاضرة مع ما فيها عند النفس ، فيكون علم النّفس بما فيها علما حضوريّا.
ولا يعجبنى هذا الكلام ، فإنّه ، مع ما فيه ، من ظاهر الأمر ، يزيّفه أنّ النفس ليست قاهرة مع القوى بتلك المثابة ، وإلّا كانت عالمة بحقائق ما هى عليه في نفس الأمر من مبدأ الفطرة ، لكونها حاضرة عندها ، فلا يحتاج في العلم بحقائقها إلى اكتساب وفكر أصلا ، فإنّ العلم الحاصل بالاكتساب ما يكون علما تجدّديّا ، والعلم التّجدّدىّ لا يكون علما حضوريّا. كما ارتكز من مدارك المحققين ، على ما فصّل في زبرهم ، فتأمّل. والسّلام على من اتّبع الهدى. تمّت الرّسالة بعون الله الملك الوهّاب.
(٥)
برهان أخصر وأمتن لتوحيد البارى تعالى.
ثمّ أقول : أخصر براهين أعلى المطالب وأمتنها ، على ما استفدت من كلمات المعلّم