الثّالث المقلّب بالشّيخ الرّئيس ، هو أن يقال : إنّ مفهوم واجب الوجود ـ وهو شيء ما ثبت له وجوب الوجود ، أى شيء ما قام به وجوب الوجود ـ إنّما يطلق بالحقيقة على ما عرض له وجوب الوجود ، أى شيء ما قام به وجوب الوجود. والبارى تعالى ليس شيئا ما قام به وجوب الوجود ، بل هو الواجب الوجود البحت بنفس ذاته ، لا بوجوب ثابت له زائد على ذاته.
ولا نعنى بذلك أنّ مفهوم وجوب الوجود الذي هو أمر اعتبارىّ ، عين ذاته تعالى ، بل المراد أنّ ذاته تعالى ينوب مناب وجوب الوجود ، بمعنى أنّ مصداق حمل واجب الوجود عليه تعالى هو نفس ذاته ، لا قيام وجوب وجود به.
فالمحمول عليه تعالى حقيقة هو الحقيقة الواجبة الوجود بنفس ذاتها ، لا يجوز أن يكون عرضيّا لذات الواجب تعالى ؛ ضرورة أنّ ثبوت العرضىّ في نفسه وللمعروض ، معلّل ، إمّا بنفس المعروض ، أو بأمر خارج عن ذاته.
فلو كانت حقيقة الواجب الوجود بنفسه طبيعة عرضيّة لذاته تعالى لكان ثبوت هذه الحقيقة له تعالى معلّلا : إمّا بذاته ـ وحينئذ يلزم تقدّمه بالذّات على ذلك الثّبوت ، فلا يكون في مرتبة التّقدّم ، أعنى مرتبة ذاته تعالى ، واجبا بالذّات ، ضرورة عدم المعلول في مرتبة وجود العلّة ووجوبها ـ وإمّا بغيره تعالى ، وحينئذ يلزم احتياجه تعالى في حقيقة وجوب وجوده إلى غيره ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
وأقول : أيضا العرضيّات لا تثبت للماهيّة من حيث هى ، بل من حيثيّة أخرى غير حيثيّة الذّات. فلو كانت الحقيقة الواجبة بذاتها من عرضيّاته تعالى لكانت مسلوبة عنه تعالى من حيث نفس ذاته ، فلم يكن في حدّ ذاته واجب الوجود ، بل يكون شيئا ما متصفا بذلك ، هذا خلف.
فاتّضح بذلك : أنّ طبيعة الواجب الوجود المحمول عليه تعالى حقيقة ـ أى الحقيقة الواجبة بنفس ذاتها ، لا بوجوب زائد على الذّات ثابت لها بالمعنى الذي قرّرناه ـ ليست عرضيّة لذات الواجب تعالى ، فإمّا أن تكون ذاتيّة له تعالى أو نفس ذاته تعالى ، لا سبيل إلى الأوّل ، لاستحالة التّركيب ، فتعيّن الثّاني.
ووقتئذ نقول : قد تقرّر أنّ تشخّص الواجب تعالى نفس ذاته. وأنا أبرهن عليه بأن