أقول : لو لم يكن تشخّص الواجب تعالى عين ذاته ، لاحتاج في وجوده إلى ذلك التّشخّص ، ضرورة ، لا في نفس حقيقته ، ضرورة أنّ الشّيء لا يحتاج في نفس ماهيّته إلى التّشخّص ، بل في وجوده ، فكان وجوده ما به الاحتياج إلى الشّخص دون نفس الذّات ، فلم يكن وجوده عين الذّات ، هذا خلف
فتشخّصه وتعيّنه عين ذاته تعالى ، بمعنى أنّ ذاته تعالى متشخّص بذاته ، من غير عروض تشخّص ومشخّص له تعالى ، يعنى مصداق حمل المتشخّص عليه هويّته البسيطة ، لا عروض تشخّص له.
ولمّا كانت الحقيقة الواجبة بنفس ذاتها على المعنى المتقرّر نفس ذاته تعالى ، فكانت تلك الحقيقة والطبيعة أيضا متشخّصة بنفسها من غير عروض مشخّص وتشخّص لها ، فلا يتصوّر فرض صدقها على كثيرين ، بمعنى تجويز العقل ذلك ، إذ العقل لا يجوّز صدق المتشخّص بذاته على كثيرين.
وهذا معنى ما تسمعهم يقولون : «ليس للواجب تعالى مفهوم كلّىّ يندرج حقيقته تحت ذلك المفهوم ، لا بحسب الواقع ولا بحسب التصوّر أيضا» ، فإنّهم صرّحوا بأنّ الفرض الواقع في تعريف الكلّىّ بمعنى تجويز العقل ، لا الاختراع. وحقيقة الواجب تعالى متشخّص بذاته ، فلا يفرض العقل صدق حقيقته تعالى على كثيرين.
والحاصل : أنّه لو تعدّد الواجب لكانت حقيقة الواجب الوجود وطبيعة وجوب الوجود ، أى الحقيقة الواجبة ، بنفسها ، لا بوجوب قائم بها ، محمولة عليها قطعا. وقد عرفت أنّها ليست عرضيّة ولا ذاتيّة لذات واجب الوجود ، بل عين ذاته ونفس حقيقته ، فتكون هذه الطبيعة والحقيقة نفس ذاتيهما ، مع أنّ فرض صدقها على المتكثّر بالعدد محال ، فضلا عن صدقها بحسب الوجود الواقعىّ ، لكونها متشخّصة بنفس ذاتها ، فاعرف ، فإنّه لطيف.
وظهر في تضاعيف تقرير الكلام : أنّ إطلاق وجوب الوجود عليه تعالى مجاز. معناه : أنّ الأثر المترتّب على وجوب الوجود مترتّب على نفس ذاته تعالى ، كما أنّ إطلاق الوجود المطلق عليه كذلك أيضا.
وأمّا إطلاق واجب الوجود عليه ، فاعتبار نفس ذاته ، يعنى : مصداق الحمل ، ليس