بل من حيث لزوم ذلك اللّازم لما هو لازم لذلك الشّيء باعتبار خصوص ذاته ، كما بين الأربعة ولزوم الزّوجيّة لها. فإنّ امتناع الانفكاك بين الأربعة وهذا اللزوم ، إنّما هو من حيث إنّ امتناع الانفكاك بين الأربعة والزّوجيّة يستلزم ذلك ، حتّى لو أمكن أن يكون امتناع الانفكاك بين الأربعة والزّوجيّة مع إمكان انفكاك ذلك اللزوم عنها لما استلزمت الأربعة ذلك اللزوم. وكذا الكلام فى لزوم اللزوم إلى غير النّهاية.
وبعد ذلك نقول : إنّ التّلازم بين الشّيء ولازمه الأولىّ الذّاتىّ ، كالأربعة والزوجيّة ، يقتضي انعكاس التلازم بين نقيضيهما. وأمّا التلازم بين الشّيء ولازمه الغير الذّاتىّ فقد لا يقتضي انعكاس التّلازم بين النقيضين. وذلك إذا كان نقيض اللّازم مستلزما لرفع التّلازم الأصليّ بين العينين ، فإنّ انعكاس التّلازم بين النّقيضين إنّما هو على تقدير بقاء التّلازم بين العينين. مثلا ، التّلازم بين الأربعة وبين لزوم الزوجيّة لها لا يقتضي التلازم بين نقيضيهما ، كما أنّ التّلازم بين أربعة والزّوجيّة يقتضي ذلك. وذلك لأنّ عدم لزوم الزوجيّة للأربعة ، أعنى نقيض اللازم ، يقتضي بطلان أصل الملازمة بين الأربعة والزّوجيّة ، فيبطل الملازمة بين الأربعة وبين ذلك اللزوم أيضا ، فإنّ هذه الملازمة إنّما كانت من حيث الملازمة الأولى. فلا يبقى نقيض اللازم نقيضا للّازم ولا نقيض الملزوم نقيضا للملزوم ، حتى يكون بينهما تلازم. فظهر أنّ عدم لزوم الزّوجيّة للأربعة لا يقتضي عدم الأربعة بخلاف عدم الزّوجيّة ، فإنّه يقتضي عدم الأربعة.
وعند إتقان هذا التحقيق يظهر وجه الغلط فى الشّبهة المستصعبة المشهورة الدّائرة على ألسنة الأذكياء بالصّعوبة. وتقريرها أن يقال : كلّما لم يكن وجود الشّيء مستلزما لرفع أمر واقعىّ بحسب نفس الأمر كان ذلك الشّيء موجودا بالفعل دائما ، لكن كلّ ممكن ليس وجوده مستلزما لرفع أمر واقعىّ بحسب نفسه ، فيكون كلّ ممكن موجود دائما ، هذا خلف.
أمّا المقدّمة الأولى ، فلأنّ الشّيء الغير المستلزم وجوده لرفع الأمر النفس الأمرىّ لو لم يكن موجودا دائما كان معدوما وقتا ما بحسب نفس الأمر قطعا ، فكان وجوده مستلزما لرفع عدمه ، وإلّا اجتمع النقيضان ، فيلزم خلاف الفرض.