الصّورة. فهذا أفضل ضروب الوحى والإيحاء.
ويقال : إنّه مخاطبة العقل الفعّال للنفس بألفاظ مسموعة مفصّلة ، وله أنحاء مختلفة ومراتب متفاصلة ، بحسب درجات للنفس متفاوتة. وقد يكون في بعض درجاته لا يتخصّص المسموع والمبصر بجهة من جهات العالم بخصوصها ، بل الأمر يعمّ الجهات بأسرها في حالة واحدة.
وفي الحديث : «إنّ الحارث بن هشام سأل رسول الله ، صلىاللهعليهوآله ، كيف يأتيك الوحى؟ قال : أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس ، وهو أشدّ على ، فيفصم عنّى ، وقد وعيت عنه ما قال ؛ وأحيانا يمثّل إلى الملك رجلا ، فيكلّمنى ، فأعى ما يقول» [بحار الانوار ، ج ١٨ ، ص ٢٦٠. عن المناقب لابن شهرآشوب ،]
وربما تكون النّفس المتنوّرة ، صقالتها في بعض الأحايين أتمّ ، وسلطانها على قهر الصّوارف الجسدانيّة والشّواغل الهيولانيّة أعظم ، فيكون عند الانصراف عن عالم الحسّ والاتّصال بروح القدس استئناسها بجوهر ذاته المجرّدة منه بالشّبح المتمثّل فتشاهده ببصر ذاته العاقلة ، وتستفيد منه وهو في صورته القدسيّة ، كما ورد في الحديث : «إنّ جبرئيل أتى النبي ، صلىاللهعليهوآله ، مرّة في صورته الخاصّة كأنّه طبق الخافقين» [بحار الأنوار ، ج ٥٩ ، ص ٢١٥].
ثمّ دون هذه الضّروب لسائر درجاته ما يتّفق له من القوّة القدسيّة نصيب مرتبة النبوّة أن يرى ملائكة الله ويسمع كلام الله ، ولكن في النّوم ، لا في اليقظة.
وسبيل القول فيه أيضا ما دريت ، إلّا أنّ الأمر هناك ينتهى إلى القوّة المتخيّلة ويقف عندها بمحاكاتها وتنظيمها وتفصيلها ، لما قد طالعته النفس من عالم الملكوت من دون انحدار الصورة المتمثّلة والعبارة المنتظمة منها إلى الحسّ المشترك.
فأمّا الرّؤيا الصالحة لنفوس العرفاء والصّالحين فواقعة في هذا الطريق ، غير واصلة إلى درجة النّبوّة وبلوغ الغاية. وفي الحديث : «إنّها جزء من ستّة وأربعين أو سبعين جزءا من النبوّة» ، على اختلافات الرّوايات.
وقصاراها في مرتبة الكمال وأقصاها للمحدّثين ـ بالفتح ، على البناء للمفعول ، من التحديث ـ وهم الّذين يرفضون عالم الشهادة ، ويصعدون إلى عالم الغيب ، فربما