سياقة
(١٦ ـ كلّ جسم فارد متحصل الذّات من جوهرين)
أما تهيّأت الآن لسلوك السّبيل بالبرهان ، أليس إذا انفصل جسم فارد أو اتصل جسمان فاردان ، تبدّل نحو وجود جوهره المتّصل بالذّات ، فزالت وحدته الشخصيّة ، فانعدمت ، لا محالة ، ذات موضوعها ، أعني شخص الجوهر المتّصل بالذّات. فإذن ، لو لم يكن يبقى جزء آخر جوهريّ من شخص الجسم ، لكان عند الانفصال يبطل بالمرّة ، وذلك نسخ حكم العقل وفسخ إجماع الفريقين. فإذن ، كلّ جسم فارد متحصّل الذّات من جوهرين ينعدم أحدهما بشخصيّة هويّته وينحفظ وجود الآخر مستمرّا بوحدته الشّخصيّة ، وهو الهيولى الأولى.
تشريق
(١٧ ـ الاتصال لا يقبل الانفصال)
وبما أريناك السبيل بزغ النهج إلى أن يستتمّ مسلك الشركاء السالفين أيضا. وهو أنّ الاتّصال لا يقبل الانفصال ، ولا في قوّته ذلك ، إذ هو عدمه ، والشّيء لا يقبل عدمه ، ولا [٢٩ ظ] نفسه ، إذ لا يعقل كون الشّيء قابلا لنفسه. فإذن ، لا بدّ من القابل للاتّصال والانفصال قبولا يكون هو بعينه الموصوف بالأمرين.
ويزاح تشكيك المستنكرين : «أنّ الاتّصال بالمعنى الإضافىّ يقابله الانفعال. وأمّا بمعنى الطّبيعة الجوهريّة الممتدّة بنفس ذاته في الأبعاد ، فليس يتأبّى الاتّصال والانفصال والوحدة والتّعدّد.» فالغلط من اشتراك اللفظ بأنّ الانفصال عدم الاتّصال الإضافيّ ومستوجب انعدام الاتّصال الجوهريّ الواحد بالشخص ، لأنّه مساوق زوال الوحدة الشّخصيّة أيضا ، لا مناط انتفاء الوحدة الاتّصاليّة فقط. فالاتصال الحقيقيّ الواحد بالشخص أيضا ليس يقبل الانفصال والاتّصال الإضافيّين بين أجزائه المقداريّة ، فالتخبّط من نقص الفحص وسوء الاعتبار. وأمّا أنّ الأعدام لا تستدعي ثبوت محالّ تقبلها فإنّما يصحّ مطلقا في السّلوب الصّرفة لا في أعدام الملكات ، إذ لها حظّ ما من الثبوت إلّا إذا لوحظت بما هي أعدام.