حكومة
(٢٨ ـ الاتّصال والانفصال في الهيولى)
ولو عزلنا النّظر عن قضاء البرهان : أنّ طروء الانفصال يستوجب انعدام الجوهر الشّخصيّ المتّصل ، فإجراء حكم الهيولى المبهمة الذّات بوحدتها الشّخصيّة على الجوهر الممتدّ بالذّات المستتمّ التحصّل بالفعل ، على ما قد تجسّمته الفئة المستنكرة ، قياس تخمينيّ بلا جامع. أليس إذا لم تكن نفس ذات الجرميّة بما هي هي متصلة في مرتبة جوهر الحقيقة ، بل كان اتصالها من تلقاء العارض ـ أي : الكميّة التعليميّة ـ كانت ، لا محالة ، بحسب الوجود في مرتبة ذاتها الشّخصيّة : إمّا من مفارقات الأحياز والأبعاد والجهات مطلقا ثمّ يلحقها التّعلّق بها أخيرا ، وإمّا متألّفة الذّات من جواهر متفاصلة متجاورة غير متجزّية متناهيّة أو غير متناهيّة ، ثمّ يلحقها الاتّصال وقبول التجزئة لا إلى نهاية في المرتبة المتأخّرة ، وذلك متهافت بالضّرورة الفطريّة ، فهي بما هي هي في حدّ ذاتها متصلة ممتدّة واحدة بالوحدة الاتّصاليّة الزّائلة عند الانفصال بتّة.
وأمّا الهيولى فليست بحيث (بحسب ل) ذاتها متّصلة ولا منفصلة ، بل إنّما لها الاتّصال أو الانفصال من تلقاء عارضها ـ أعني الصّورة الجرميّة الواحدة أو المتكثّرة ـ ولا يلزم شيء من المحالات ، إذ الهيولى ليست تتقدّم بالذّات على طبيعة الاتّصال ، كما تتقدم الصّورة الجرميّة على الكميّة التعليميّة. فلا تكون في مرتبة ذاتها الشّخصيّة خلوا عن الوحدة الاتّصاليّة ومقابلتها جميعا ، وإن لم يكن ذلك لها بلحاظ جوهرها. وهذه دقيقة نشأت من كون الصّورة الجرميّة الحالّة فيها جوهرا ، بخلاف الجسميّة التّعليميّة العارضة للجرميّة الطّبيعيّة. فالمحلّ يتقدّم تقدّما بالذّات على شخصيّة الحالّ العرضيّ وعلى طبيعته المرسلة النّاعتيّة جميعا وعلى شخصيّة الحالّ الجوهريّ دون طبيعته المرسلة القائمة بذاتها.
فلذلك كانت الصّورة الجرميّة [٣٤ ب] ، بطبيعتها المرسلة وبما هي صورة ما ، مقوّمة لشخصيّة الهيولى ، وكذلك لوجودها بما هي هيولى ما ومتقدّمة عليها بالذّات وبما هي صورة شخصيّة بعينها قائمة في ها ومتأخّرة عنها. فهي توجد متّصلة فتنفصل أو منفصلة فتتّصل وهي باقية بذاتها ، والصّورة الجرميّة لا توجد ذاتها ، إلّا متصلة ، فتزول عند الانفصال.