تشريق
(٣١ ـ القوّة والفعل في عالم الجواز)
كلّ ما في عالم التّقرّر من الجائزات حتّى الأنوار العقليّة مزدوج من مفهومى ما بالقوّة وما بالفعل بحسب جوهر الماهيّة وبحسب الاستناد إلى الموجود الحقّ وإن لم يكن له معنى ما بالقوّة أصلا. ثمّ الهيولانيّات نأت عن صقع المجد ، فلم تستدفع أن يكون لها مع ذلك أيضا معنى ما بالفعل ومعنى ما بالقوّة.
والهيولى نفسها توغّلت في النّأى والهبوط ، فواقت افق نقص الذّات واستقرّت على مركز وهن الحقيقة ، فكانت ذاتها مع ذلك كلّه إنّما لها الفعليّة مضمّنة فيها القوّة. فحيثيّة جوهريّتها متضمّنة للاستعداد البحت المرسل وفعليّتها للقوّة الصرفة المطلقة. وكذلك شاكلة حقيقة الحركة. فلها أيضا فعليّة مضمّنة فيها القوّة ، فلذلك أبدعهما العليم الحكيم عاملتين على الإعداد والاستعداد ، لانتظام الحدوث في افق الزّمان على الاتّصال ، وتهيئة الحوادث الزّمانيّة لقبول الفيض على الاستمرار ، كى يتصل الخير ويستمرّ النظام ولا يتعطّل الجود ولا يتصرّم الإفاضة.
إيماض
(٣٢ ـ معنى تشخّص الشّيء)
وإذ قد بان لك : أنّ تشخّص الشّيء المجعول هو نحو وجوده المرتبط بجاعله المتشخّص بالذّات بالفيضان عنه متميّزا ، فاحدس أنّ الطبيعة المحصّلة النوعيّة لا تتكثّر بالأشخاص إلّا من جنبة المادّة ، إذ ليست تقبل وجودات تترى وصدورات شتّى عن الجاعل إلّا باختلاف استعدادات المادّة وتكثّرات عوارض المادّة.
وأيضا المعنى الوحدانيّ لا يتكثّر بذاته وإلّا لم يوجد واحد منه أصلا. [٣٥ ب] إذ كلّ واحد منه يكون لا محالة ، على طباعه. وإذا لم يكن واحد لم تكن كثرة أيضا ، فالكثرة لا تكون إلّا من الوحدات. فإذا فرضنا المعنى الوحدانيّ يتكثّر بذاته فقد أبطلنا الكثرة.
فإذن ، الأشياء الّتي لها حدّ نوعيّ واحد إنّما كثرتها للمادّة الّتي هي القوّة القابلة لتأثيرات الفاعل. فكلّ ما ليس ماديّا ، فإنّ من حق طباعه أن يكون نوعه في شخصه ، والجاعل بذاته يبدع ماهيّته ويفعل وجوده الّذي هو بعينه تشخّصه.