الفاعل الحقّ بذاته يفعل ما ماهيّته المرسلة وتشخّصه الخاصّ جميعا ، فيكون ، لا محالة ، نوعه في شخصه. وإذا لم يكن له في الفيضان بدّ من قابل ، فإن استحقّه القابل بنفسه أفاضه الفاعل عليه ، وكان نوعه أيضا في شخصه ، كالفلك. وأمّا إذا كان الاستحقاق لا يحصل إلّا بمعدّات من خارج ، فهناك يستتبّ تكثّر أشخاص الطّبيعة. فالطبيعة النّوعيّة إنّما تتعدّد بالأشخاص بحسب المادّة ، لا بالمادّة نفسها.
فإذن ، حامل عالم الأسطقسات يفتقر ، فى ما تختلف أعراضه من أجزاء العناصر المختلفة الأقدار والأشكال ، إلى مشخّصات وأحوال يتّفق وجودها من خارج ، غير دائميّة ولا أكثريّة. أليس الشّخص لا يوجد بعينه مرّتين ، فعلل الأشخاص بما هي أشخاص متماثلة يجب أنّ تشتمل على امور يندر وجودها ، بل لا توجد إلّا مرّة واحدة.
فإذن ، تشخّص الصّورة يستتبّ تهيّؤه الفيضان بالفعل عن الجاعل الحقّ بالقوى السّماويّة والأحوال الأرضيّة الّتي هي الصّور السابقة والتغيّرات الطّبيعيّة والقواسر الخارجة. وأمّا الحامل فإنّما هو علة قابليّة ومستكمل لقوّة القبول بالمعدّات المتعاقبة والعوارض المتواردة.
شكوك وتحقيقات
(١٢ ـ اختلاف الصّور)
إذا سمعت المتشكّكين يقولون : «إن استند اختلاف الصّور في العنصريّات إلى اختلاف استعدادات في مادّتها المشتركة بحسب الصّور السّابقة ، وفي [٣٩ ب] الفلكيّات إلى اختلاف قوابلها في الماهيّات ، فلم لا يجوز إسناد اختلاف الأعراض إليها من غير توسّط الصّور؟
وأيضا ، هذه الصّورة إن قوّمت الجرميّة ، وهي مفتقرة إليها ، دار الأمر وصادم كون الصّورة الجرمانيّة طبيعة متحصّلة نوعيّة ، وإن قوّمت الهيولى كانت المادّة الواحدة البسيطة قد قوّمتها صورتان ، وما أنتم بمسوّغيه؟
ثمّ كون تلك الصّور مصادر لأعراض مختلفة غير مترتّبة ، بعضها من باب الكيف وبعضها من باب الأين وكذلك من سائر الأبواب ، لا بأن يصدر البعض بتوسّط البعض ، يناقض القول بأنّ : «الكثير لا يصدر عن الواحد». وإن أسندتموها إلى صور فوق