يجب أن يكون عندك من المستبين : أنّ كلّ شيئين ، يخرج كلّ منهما عن قوام ماهيّة الآخر ، وبينهما تلازم طبيعىّ في مجرّد الاقتران بحسب التحقّق أو في التعقّل أيضا بحسب نفس الماهيّة بما هي هي ، فإنّهما لا يعريان عن طباع العليّة والمعلوليّة ، إمّا بقياس أحدهما إلى الآخر ، أو بقياسهما معا إلى ثالث موقع بينهما ارتباطا ما افتقاريّا على بعض الوجوه لا محيص عنه بتّة. أليس إذا لم يكن ذلك [٤١ ظ] ، لم يكن رفع أيّهما لوحظ بما هو رفعه موجب رفع الآخر البتة ، وإن اتّفق أن كان مع رفعه ، كما ثبوته مع ثبوته دائما ، فلم يكونا على علاقة طبيعيّة يمتنع بحسبهما الافتراق ، بل إنّما على صحابة اتّفاقيّة فقط.
وأمر المتضائفين ليس على [ما] يظنّ : فالحقيقيّان ، كالأبوّة والبنوّة ، معلولا ثالث ، كالولادة ، على افتقار لكلّ منهما ، لا إلى نفس مفهوم الآخر ، بل إلى ذات هو عارضها ؛ والمشهوريّان ، كالأب والابن ، يفتقر كلّ منهما ، لا في جملته ، بل في بعضه ، أي : إضافته ، لا إلى جملة الآخر ، بل إلى بعضه ، أي : ذاته. وكذلك معلولا علّة واحدة ، كلّ منهما في طباعه بحيث يستوجب أن يفتاق إلى علّة الآخر ، فلا محالة ، يرتبطان بملازمة عقليّة. وتلازم العقود وعكوسها والشّرطيّات المتلازمة أيضا على هذه الشّاكلة.
وبالجملة ، طباع التّلازم يأبى إلّا أن يتعلّق أحد المتلازمين في ذاته ووجوده بالآخر أو بما يتعلّق به الآخر. فلو فرض موجودان واجبان بالذّات متكافئان في الوجود ـ تعالى الله عن أن يكون له شبه في الذّات أو شريك في الملك علوّا كبيرا ـ لم يتحقق بينهما طباع امتناع الافتراق بالضّرورة البرهانيّة ، بل إنّما يكون صحابتها في دوام الوجود على الاتّفاق الصّرف لا غير.
إيماض
(١٦ ـ المضاف مع مضائفه بحسب التعقل والحصول)
فالمضاف الحقّ مع مضائفه في درجة واحدة بحسب التعقّل ، وبحسب الحصول معلول لعلّته ومفتقر إلى معروضه وإلى معروض نفسه جميعا ، ولا كذلك سائر الأعراض ، إذ شيء منها ليس يفتقر بطباعه البتّة إلى معروض عرض آخر مباين الذّات لمعروضه.