إيماض
(٣ ـ الوجود في الزّمان أخص من الموجود في الدّهر)
لعلّك قد تحدّست الآن أنّ الوجود في زمان ما فقط أو في جميع الأزمنة أخصّ من الوجود في وعاء الدّهر ومستلزم له ، بخلاف العدم في زمان ما أو في جملة الأزمنة ، فإنّه غير مستلزم للعدم في وعاء الدّهر. أليس العدم في وعاء الدّهر إنّما يصدق بارتفاع جملة أنحاء الوجود في الأعيان ، ومن جملتها الوجود لا في زمان بخصوصه ولا في جميع الأزمنة. أفلم يقرع سمعك في طبقات الصّناعة أنّ الطّبيعة تتحقّق بتحقّق فرد ما ، ولا ترتفع إلّا بارتفاع جميع الأفراد.
وهذا كما يقال : ارتفاع النّقيضين في بعض أنحاء نفس الأمر من لحاظ العقل ، أي :
لحاظ مرتبة الماهيّة من حيث هي هي ، ليس فيه استيجاب ارتفاعهما في نفس الأمر، لأنّها أوسع منه ، كما ليس [٦ ب] الخروج من دار من دور البلد مستوجب الخروج منه ، لكونه أوسع منها. فهذا القول ليس يتعدّى الحقّ من هذا النّمط. ولكنّي إنّما أسوّغ إيراده على سنّة التّنظير ، ولست أنصّ عليه نصّ المستصحّ اياه ، لتجاوزه الصّحّة من سبيل آخر.
إيماض
(٤ ـ الدّوام الدّهريّ هو السّرمديّة)
وإذ أفق الزّمان منقسم ، ووعاء الدّهر مرتفع عن توهّم الانقسام واللّاانقسام فيه ، فالإيجاب والسّلب على نسبة عقديّة بعينها لا يتناقضان بحسب أفق الزّمان إلّا بوحدة الوقت. وأما بحسب وعاء الدّهر فلا يعتبر في التّناقض وحدة الحدّ ، إذ لا يعقل هناك اختلاف حدّين ، ولذلك لا يصدقان معا بالإطلاق العامّ الدّهريّ ، وكثيرا ما يتّفقان في الصّدق معا بالإطلاق العامّ الزّمانيّ وإذ يصدق الموجب الدّهريّ بالإطلاق العامّ يبطل صدق السّالب الدّهريّ ، ومع ذلك فليس يصدق الإيجاب بالدّوام الدّهريّ إلّا إذا كان الموضوع سرمديّا غير مسبوق باللّيس أصلا لا باستمراره ولا بنسخه.
فالدّوام الدّهريّ هو السّرمديّة ، والوجود بعد العدم في وعاء الدّهر هو حصوله في حيّزه بدلا عنه ، كوقوع جسم بعينه بعد جسم بعينه. في مكان بعينه وأمّا الوجود