فالنور العقليّ الّذي يهب الصّور بإذن الله يقيم الهيولى بذات الصّورة من دون العكس. وإذا ما انجذّ تقرّر صورة هي لابستها استبقاها بتعقيب صورة عاقبة ، فبما أنّ العاقبة تشارك السّابقة في أنّها صورة تعاون المقيم على الإقامة ، وبما تخالفها تجعل الهيولى بالفعل جوهرا غير الجوهر الّذي كان بالسّابقة ؛ فالصّورة من وجه واسطة في التّقويم بين الهيولى [٤٥ ظ] المستبقاة وبين مستبقيها ، فلا محالة ، هي متقوّمة أوّلا ، أولية بالذّات ، فهي أقدم تقوّما ووجودا من الهيولى ، وهي فعل وقوّة ، فعليّتها في المادّة الّتي هي في نفسها بالقوّة من كلّ جهة ، إلّا الاستعداد الصّرف ، وإنّما تصير بالفعل بالصّورة.
وإن شئت شبّهت المقيم المفارق واستحفاظه الهيولى الشّخصيّة بالصّور المترادفة بمن يمسك سقفا بعينه بدعامات متعاقبة ، يزيل منها واحدة فواحدة ، ويقيم أخرى بدلها. والفحص يقضى أنّ ما يصحّ أن يعدّ عضة من العلّة بالذّات إنّما هو الطّباع الوحدانىّ المشترك ، لا كلّ واحدة واحدة على التّبادل ، وكذلك الأمر في الصّور اللازمة.
فكلّ واحدة من هيوليات عالم الطّبيعة الخامسة تتخصّص بصورتها من قبل عقل يهب الصّورة بإذن الله ، ويستحفظ المادّة بها بما هي صورة مرسلة ، لا بما هي تلك الصّورة الشخصيّة ، وإن كانت بشخصيّتها غير مفارقة ، بل لازمة.
فإذن ، الصّورة مطلقا ، لا بشخصها ، بل بسنخ جوهرها ، من تتمّات العلّة المؤثّرة. وأمّا المادّة ، فلا تأثير لها بشيء من الاعتبارات ، بل إنّما شاكلتها القبول والاستكمال. وإلّا اجترّتها التّحليل إلى أنّ تكون في حدّ جوهرها ذات أمرين ، بأحدهما تستعدّ وبالآخر تؤثّر ، فيكون الأمر المستعدّ منهما هو الجوهر المادّة بالحقيقة والآخر أمرا زائدا مقارنا.
وهم وتشريق
(٣٢ ـ الصّورة واحدة بالطبيعة)
أو لعلّك تقول : وكيف تكون طبيعة مرسلة مبدءا لهويّة شخصيّة ، ومن الاصول البرهانيّة : أنّ الواحد بالعموم لا يكون علّة للواحد بالعدد.
فيقال لك : إنّ البرهان إنّما أحال ذلك في العلّة الجاعلة ، فالعقل ينبو عن تسويغ كون المجعول والمصنوع أقوى تحصّلا من جاعله وصانعه. وأمّا الشّرائط والرّوابط وما يسير مسير عضة السّبب [٤٦ ب] الموجب وتتمّة العلّة الفاعلة ، فلا ينقبض