ذاتيّة أو غير ذاتيّة ، وإمّا أن يعتبر لا من حيث كذلك.
فهذه أقسام ثلاثة. والأوّل يدخل تحت الإمكان العامّ ، والثّاني يصدق عليه الإمكان الخاصّ ، والثّالث لا يصادم الإمكان الاستقبالىّ الّذي هو أخصّ الإمكانات بطبيعة الإمكان فضلا عمّا فوقه ؛ لأنّه لا ينافى العدم الّذي يقابله إذا اختلف وقتاهما. فكيف ينافى الإمكان الّذي هو أقرب من العدم إليه. فليس إذا كان الشّيء متحرّكا فى الحال يستحيل أن لا يتحرّك فى الاستقبال فضلا عن أن يكون غير ضرورىّ له أن يتحرّك وأن لا يتحرّك فى الاستقبال. وهذا قول يستصحّه النّظر الميزانىّ.
وأمّا الفحص الحكمىّ فيعطى (٦٤) أنّ ضرورة الوجود الحالىّ المساوق لامتناع العدم فى الحال من جهة اقتضاء العلّة الّتي لا يصادم لا ضرورتهما بالقياس إلى ذات الممكن فى الحال ، كما فى الاستقبال ، والممكن فى الاستقبال لا يتخلى عن الضّرورة باعتبار أحد الطرفين. والامتناع باعتبار مقابل ذلك الطرف من جهة إيجاب العلّة ، كما فى الحال.
نعم ، الوجود فى الحال لا يأبى العدم فى ثانى الحال ، وإنّما يبطل العدم فى الحال. فإذن ، الإمكان متساوى النّسبة إلى الحال والاستقبال بالقياس إلى الممكن.
والحقّ فيه ما قاله بعض من سبقنا ، من حملة عرش العلم. وهو أنّ الصّدق والكذب قد يتعيّنان ، كما فى مادّتى الوجوب والامتناع ، وقد لا يتعيّنان ، كما فى مادّة الإمكان ، ولا سيّما الاستقبالىّ ، فإنّ الواقع فى الماضى والحال قد يتعيّن طرف وقوعه ، وجودا كان أو عدما ، ويكون الصّادق والكاذب بحسب المطابقة وعدمها متعيّنين وإن كانا بالقياس إلينا بجهلنا بالأمر غير متعيّنين. وأمّا الاستقبالىّ ، فقد نظر فى عدم تعيّن أحد طرفيه : أهو كذلك فى نفس الأمر ، أم بالقياس إلينا؟
والجمهور يظنّونه كذلك فى نفس الأمر. والتّحقيق يأباه ، لاستناد الحوادث فى أنفسها إلى علل تجب بها وتمتنع دونها. وانتهاء تلك العلل إلى فاعل أوّل يجب لذاته.