تامّا ، يمتنع بحسبه تخلّفه عنه ، كجرم الشّمس من جهة اقتضاء الضّوء عنه. فهذا المضىء له ذات وضوء يغاير ذاته. والثّالثة : المضىء بالذّات بضوء هو عين ذاته ، لا بضوء زائد على ذاته ، كضوء الشّمس إذا فرض قائما بذاته ، لا بالشّمس ولا بشيء ما غيرها. فهذا أعلى وأقوى ما يتصوّر فى كون الشّيء مضيئا.
ونحن نقول : تثليث القسمة إنّما يتصوّر فى ظاهر اللّحظ لو بني الأمر على أنّ المعلول إنّما طباعه أن يفيض وجوده من الغير.
وأمّا لو استشعر أنّ المعلول يستند إلى الجاعل فى تقرّر سنخ ذاته وتجوهر أصل حقيقته ، لا فى وجوده فقط. فلا يسع التّصوّر إلاّ تثنية القسم ؛ فإنّ الموجود حينئذ إمّا متقرّر الحقيقة بذاته أو بجاعل. ويستحيل أن يتصوّر كون الحقيقة علّة مقتضية لتقرّرها فى نفسها ، أعنى المرتبة المتقدّمة على الوجود ؛ فإنّ ذلك فى قوّة أن يقال : هى جاعلة نفسها ومفيضة ذاتها ، وهو قول يشهد بفساد نفسه ، بل إنّما يتصوّر أن يكون حقيقة متقرّرة بذاتها ، لا بجاعل.
وبالجملة ، إذا وضع أنّ أثر الفاعل يكون أمرا وراء الذّات يعبر عنه بالوجود ربما سوّغ فى بادى اللّحظ أن يكون مفيض ذلك الأمر على الذّات ، ومقتضيه لها هو نفس الذّات ، لا فاعلا آخر غيرها ، إلى أن يرفع الأمر إلى تحكيم البرهان الفاصل والفحص البالغ.
وأمّا إذا تعرّفت أنّ طباع المعلوليّة يقتضي أن يكون أثر الفاعل أوّلا وبالذّات هو نفس الذّات وسنخ الحقيقة ؛ فلعلّ طباع الفطرة الإنسانيّة لا يسع أن يسوّغ ولو فى اللّحظ الظّاهرىّ أنّ الماهيّة هى جاعل نفسها ومفيض جوهرها وفاعل سنخ ذاتها ، بل إنّما يجد أنّ بعض الموجودات يكون متقرّر الحقيقة بنفس ذاته ، لا بعلّة ، فيكون موجودا بنفسه ، لا بعلّة غير ذاته ولا بعليّة من ذاته ؛ لأنّ ما ينتزع منه الوجود إنّما هو الحقيقة المتقرّرة. فإذا كانت الحقيقة متقرّرة بنفسها ، لا بأن يكون هى جاعل ذاتها كان لها الوجود بنفسها ، لا بأن يكون ذاتها تقتضى وجودها. وبعض الموجودات متقرّر الحقيقة بالجاعل ، فيكون موجودا أيضا بالجاعل. فحاجة الوجود واستغناؤه