المتقرّرة المقتضية لذلك اللاّزم على أن يكون هى حالة الاقتضاء مخلوطة بالوجود ؛ إذ كان الوجود أوّل ما ينتزع من الماهيّة المتقرّرة بالقياس إلى سائر اللّواحق. فالماهيّة المتقرّرة هى بعينها مطابق هذا الحكم ومبدأ هذا الانتزاع ، فيكون موجوديّتها قبل اعتبار تلبّسها بشيء ما ـ أىّ شيء كان ـ ممّا هو يلحق جوهر الذّات ، وليس يدخل فى قوام سنخ الحقيقة.
وإذا كان كلّ مقتض لشيء يجب أن يصحّ تخليل الفاء بينهما بحسب الوجود ، لكون طباع الاقتضاء يستوجب ذلك ، بل إنّ مفاده هو. ولست أقول : إنّ ذلك هو ما يفتقر إليه طباع اللاّزم ، حتّى يكون هو متوقّفا على وجود الماهيّة أيضا (١)، على أن يؤخذ الوجود جزءا ما من العلّة المقتضية. فيرجع الأمر إلى أنّ المقتضى هو مجموع الماهيّة وحيثيّة مطلق الوجود. فمن المتحقق : أنّه (٨٤) لو كان فى طباع وجد فوجد ما يوجب استيجاب هذا ، لم يكن يتصوّر أن يتحقق علّيّة بين شيئين أصلا ، سيجيء تبيانه فى مؤتنف القول إن شاء اللّه تعالى.
إنّما طباع «وجد فوجد» تقدّم موجوديّة ما هو علّة ، لا اعتبار وجود ما هو علّة فى العلّيّة حتّى يلزم تقدّم موجوديّة ذلك الوجود أيضا. فليس يتصوّر أن يكون الوجود لازما لماهيّة ما أصلا ؛ وإلاّ كان يقع طباع «وجد فوجد» بين الماهيّة ووجودها اللاّزم لها بعينها ، فيتقدّم وجود الماهيّة على وجودها اللاّزم : فإمّا أن يكون الوجود المتقدّم هو الوجود المتأخّر بعينه ، فكيف يتصوّر أن يكون شيء بعينه يتقدّم على نفسه ، وإمّا أن يكون هناك وجودان بنفسه : متقدّم ومتأخّر ، فكيف يتكثّر الوجود مع لا تكثّر الموضوع ، على أنّ الكلام فى المتقدّم كالكلام فى المتأخّر ، فيتسلسل.
وليس الغرض بطلان التسلسل ؛ فإنّه ممّا لم يتبيّن بعد ، بل إنّ مجموع الموجودات المتسلسلة ، كالوجود الأوّل. فقد انكشف أنّه يستحيل أن يكون شيء من الأشياء مقتضيا لوجوده وأن يكون الوجود من لوازم ماهيّة ذات ما من الذّوات أصلا. فإذن ، فاحكم أنّ القيّوم الواجب بالذّات يجب أن يكون وجوده عين ذاته
__________________
(١). أى : كأنّه متوقف على أصل الماهيّة المتقرّرة. سمع.