الماهيّة من حيث هى هى لا موجودة ولا معدومة» (١).
وإنّا نعلم بالضّرورة أنّ تأثير العلّة مشروطة بتقدّمها فى الوجود ، وإنّما يمكن أن يكون الماهيّة من حيث هى هى علّة لصفة معقولة لها. كما أنّ ماهيّة الاثنين علّة لزوجيّتها وعدم اعتبار الوجود معها عند اقتضائها تلك الصّفة لا تقتضى انفكاكها من الوجود حالة الاقتضاء. وأمّا كونها من حيث هى هى علّة لوجود أو موجود فمحال ، لأنّ بديهة العقل حاكمة بوجوب كون ما هو علّة لوجود ما موجود.
والفرق بين الوجود وبين سائر الصّفات هاهنا أنّ سائر الصّفات توجد بسبب الماهيّة ، والماهيّة توجد بالوجود على معنى أنّه هو موجوديّتها ، فلذلك جاز صدور سائر الصّفات من نفس الماهيّة وصدور بعضها من بعض ، ولم يجز صدور الوجود منها. وليس الأمر كذلك فى قبول الوجود فإذن ، قابل الوجود يستحيل أن يكون موجودا ، وإلاّ فيحصل له ما هو حاصل له. والماهيّة إنّما تكون قابلة للوجود عند وجودها فى العقل فقط. ولا يمكن أن تكون علّة لصفة خارجيّة عند وجودها فى العقل.
ونحن نقول : قبول الماهيّة من حيث هى هى للوجود لا يوجب كون جاعل ذاتها هو نفسها بعينها ، ولا أن يكون ذاتها قابلة لذاتها ، وتأثيرها فى الوجود ليس يتصوّر إلاّ بأن يكون جاعل ذاتها هو نفس ذاتها وأنّ معاد القول المستوفى فيه بعض فصول الشّطر الرّبوبىّ إن شاء اللّه تعالى.
<٨> هداية
قد قرع سمعك فيما سلف ويتلى عليك فيما يأتى ، إن شاء اللّه تعالى ، أنّ الماهيّة المجرّدة عن المادّة لا تكون لذاتين. والشّيئان إنّما هما اثنان ، إمّا بسبب المعنى وإمّا بسبب الحامل للمعنى وإمّا بسبب الوضع والمكان أو بسبب الوقت والزّمان ، وبالجملة لعلّة من العلل. فكلّ شيئين لا يختلفان بالمعنى فإنّما يختلفان لشيء غير
__________________
(١). عنى به خاتم الحكماء ، نصير الملّة والدّين الطوسىّ ، نوّر سرّه ، قال ذلك فى نقد المحصّل ، منه ، ره.