المعنى. وكلّ طباع معنى موجود بعينه لكثيرين مختلفين فهو متعلّق الذّات بشيء من العلل ولواحق العلل.
فإذا قيل : فى كلّ طباع معنى ليس هو لمادّة ولا يعتريه لواحق مادّة إنّه لا يكون لاثنين بالعدد ، فبالحرىّ أن يقال قولا مرسلا : إنّ المعنى الّذي ليس هو للشىء ولا يجوز أن يتعلّق إلاّ بذاته فقط ؛ فإنّه لا يخالف مثله بالعدد البتّة.
فإذن ، الوجود البحت الّذي ليس هو الماهيّة ، وإنّما هو وجود نفسه ، وهو القيّوم الواجب بالذّات ، يمتنع أن ينقسم بالحمل على كثيرين بالعدد ، وأن يكون نوعه لغير ذاته الواحدة الحقّة ؛ فإنّ وجود نوعه له إمّا بنفس ذات نوعه ، فلم يوجد إلاّ له ، أو لعلّة ؛ ولا يصحّ ذلك إلاّ أن يكون جوهر الشّيء معلولا باطل الذّات ، ناقص الحقيقة ، تعالى القيّوم الواجب بالذّات عن ذلك علوّا كبيرا.
وكان قد استبان أنّه قد يستحيل أن ينقسم بالفصول حتّى يحمل على كثيرين بالحقيقة النّوعيّة ، وإلاّ كان له أجزاء الحدّ. فلم يكن أحدىّ الذّات.
فإذن ، لا قيّوم واجب الوجود إلاّ واحد ، والقيّوم الواجب الذّات (٨٥) لا شريك له. وإذ هو بريء من المادّة وعلائقها وعن الفساد ، والأضداد متفاسدة مشتركة فى الموضوع ، فلا ضدّ له.
فقد بيّن من هذا أنّه لا مكافئ له ولا شريك له ، وأنّ معنى شرح اسمه له فقط ، ولا جنس ولا فصل ولا ماهيّة ولا كيفيّة ولا كمّية ولا أين ولا وضع ولا متى ولا ندّ ولا مثل ولا ضدّ له ـ تعالى وجلّ وتمجّد ـ وأنّه لا حدّ له ولا برهان عليه ، بل هو البرهان على كلّ شيء ، وإنّما السّبيل إليه دلائل واضحة.
وإذ هو هو تامّ الحقيقة من جهة أنّ حقيقته وشرح اسمه له فقط. فهو واحد من جهة تماميّة تقرّره ووجوده ؛ وواحد من جهة أنّه لا ينقسم لا بالكم ولا بالمبادى المقوّمة ولا بأجزاء الحدود ؛ وواحد من جهة أنّ لكلّ شيء وحدة تخصّه ، وبها كمال حقيقته وصفاته الذّاتيّة ؛ وواحد من جهة أنّ مرتبته من التقرّر والوجود ، أى : وجوب التقرّر والوجود له فوق التمام ووراء التّناهى فى لا تناهى الشّدّة ، أى شدّة تأكّد تقرّره وتمحّض وجوده غير متناهية اللاّتناهي.