<٩> استيناف
أما بيّن أنّ وجوب التّقرّر والوجود هو الحقيقة الحقّة الّتي هى مبدأ كلّ حقيقة ، لا أنّ هناك ماهيّة ما يقارنها وجوب التقرّر والوجود. فيجب أن يعقل واجب التقرّر والوجود نفس واجب التقرّر والوجود ، لا كما يعقل شيء ما ، كإنسان أو فلك أو عقل ، مثلا ، هو واجب التقرّر والوجود. وذلك كما قد يعقل الواحد نفس الواحد ، لا هواء أو ماء أو نار أو فلك أو غير ذلك هو الواحد.
ففيثاغورس وأصحابه ، أبناء الوحدة ، يجعلون المبدأ ذات الواحد من حيث هو واحد ، لا شيئا ما هو الواحد ؛ إذ الواحد الحقّ هو نفس الواحد البحت ، لا ماهيّة ما قارنها الواحد. أليس تأكّد الحقيقة وتصحّحها مبدأ كلّ حقيقة ، فكيف لا يكون هو بنفسه حقيقة؟ فإذن ، تأكّد التّقرّر وتمحّض الوجود هو بذاته واجب التّقرّر والوجود ، وهو الحقيقة الحقّة المطلقة.
فبعد ذلك نقول : إنّ وجوب التّقرّر والوجود لا يمكن أن يتكثر ، وإلاّ : فإمّا هو لمختلفى الحقائق على سبيل الانقسام بالفصول ، أو لمتّفقي الحقيقة النّوعيّة على سبيل الانقسام بالعوارض. والفصول لا تدخل فى حدّ ما يقام مقام الجنس. فهى لا تفيد المعنى الجنسىّ حقيقته من حيث معناه ، بل إنّما تفيده التّحصّل والقوام بالفعل ذاتا موجودة خاصّة ؛ إذ لا عليّة لها إلاّ لتقويم الحقيقة موجودة معيّنة ، لا لتقويمها فى نفسها.
ففصول وجوب التقرّر والوجود وإن صحّت وجب أن لا تفيد وجوب التّقرّر والوجود حقيقة وجوب التقرّر والوجود ، بل إنّما الوجود بالفعل. وقد دريت أنّ حقيقة وجوب التقرّر والوجود ليس إلاّ نفس تأكّد التقرّر وتمحّض الوجود ، لا كحقيقة الحيوانيّة الّتي هى معنى غير تأكّد التقرّر والوجود. والموجوديّة أمر خارج عن ذاتها داخل عليها. فإفادة الوجود بالفعل لوجوب التّقرّر والوجود هى إفادة ما فى سنخ الحقيقة.
فإذن ، يلزم أن يدخل ما هو كالفصل من حيث هو كالفصل فى ماهيّة ما هو