قيل لك : علّة عدم المركّب بما هو مركّب عدم الجزء ، لا علّة عدم الجزء ؛ بل إنّما يلزم ذلك إذا كان للجزء علّة ؛ فكان عدم الجزء مستندا إلى عدمها ، فلم ينعدم إلاّ بعدمها. فمن تلك الجهة يستند عدم المركّب إلى عدم تلك العلّة لا بالذّات من جهة ما هو مركّب.
فإذا كان الجزء ضرورىّ العدم بذاته انعدم المركّب بذاته من غير افتقار إلى عدم أمر ما خارج (٩٢). كما أنّ علّة وجود المركّب بالذّات هى وجود الأجزاء. وإنّما يحتاج تحقق المركّب إلى وجود علّة الجزء لو كانت للجزء علّة من تلك الجهة لا بالذّات من جهة ما هو مركّب. ولذلك لو كان أمكن أن يكون الجزء آن واجبى الوجود لم يتصوّر الافتقار إلى أمر خارج.
ثمّ عدم المركّب هناك يستند إلى طبيعة عدم أحد الجزءين لا بخصوصه. والخصوصيّات مطلقا من لغو الاعتبار فى ذلك الاستناد ، على قياس ما سلف. وهذه الطبيعة متحققة فى صورة عدم الجزءين معا وليس يتكرّر العلّة ولا يتعدّد بذلك.
<٥> أصل افتحاصيّ
ألم يبلغك ما يقال : «ربّ ممكن بالذّات يستلزم ممتنعا بالذّات». وإنّما يعنى به أنّه ليس بممتنع ذلك بالنّظر إليهما بما هما ممكن وممتنع.
فالممتنع بالذّات قد يعقل أنّه لو تحقّق لكان علّة موجبة لتحقّق أمر ما ممكن بالذّات ، فيحكم باستلزام ما هو معلول له. أليس التّوقّف على الممتنع بالذّات إنّما يستوجب الامتناع فى نفس الأمر من جهة امتناع الموقوف عليه ، لا الامتناع بالذّات بالنّظر إلى نفس حقيقة الموقوف بما هى حقيقة.
وفريق جمّ من أبناء الحقيقة يحيلون ذلك ويحكمون أنّ كلّ ما يستلزم تحقّقه فى نفس الأمر محالا ذاتيّا ، فهو محال بالذّات وكاد يكون خرط القتاد وحتّ الجبل دون إثبات هذا الحكم.