بما هى متّصفة بالعلّيّة واجبة فى ذاتها ؛ فإنّه إنّما صار محالا من جهة كون العلّة فى الواقع واجبة فى ذاتها. وإنّما ذلك من حيث ذاتها لا بما هى متّصفة بالعليّة. وهذا بخلاف عكسه ـ أعنى فرض عدم العلّة الأولى ـ ؛ فإنّه يستلزم عدم المعلول الأوّل مطلقا ؛ لأنّ ذاته إنّما أفاضتها العلّة الأولى ، لا غير.
ونحن نقول : إنّه افتحاص قد اغدودب ظاهره ، حيث أوهم أنّه على أسلوب الأنظار الفحصيّة. وسيتّضح فى الشّطر الرّبوبىّ ـ إن شاء اللّه تعالى ـ أنّ طباع الإمكان بما هو إمكان علّة محوجة إلى علّة واجبة فى ذاتها. وخصوصيّة ذات المعلول الأوّل بالبراءة عمّا يوجب البعد عن المبدأ الأوّل تستدعى أن تكون الذّات الواجبة التّقرّر والوجود بنفسها هى الّتي أفاضتها بلا مدخليّة لشيء ما غيرها أصلا.
فإذن ، عدم المعلول الأوّل بخصوصيّة ذاته ، كما يستلزم عدم العلّة الأولى بما هى علّة، فكذلك يستلزم عدمها بما هى واجبة فى ذاتها.
فعليّة العلّة الأولى ووجوبها بالذّات سبيلهما واحد بحسب ما استدعته ذات المعلول الأوّل بخصوصيّتها ، فلا يكون الممكن يستلزم المحال بالعرض أو بالاتّفاق ، بل إنّما المحال بالذّات.
وأيضا عليّة العلّة الأولى إنّما موجبها نفس ذات العلّة الأولى وكونها هى الجواد المفيض التّامّ الفاعليّة والإفاضة. وذلك عين ما هو الواجب بالذّات.
فإذا كانت عليّة العلّة الأولى أمرا ممكنا بالذّات وكان سببها الواجب بالذّات ، فيكون عدمها الممكن يستلزم عدم الواجب بالذّات الّذي هو سببه. فقد لزم الوقوع فيما عنه الفرار. فإذن ، هذا الوضع أحرى بالافتضاح ممّا ظنّ مفتضحا به.
وكذلك ما قد وضع (١) لتفضيح الواجبين معا. وهو أنّ الممكن الّذي يستلزم محالا استلزاما جزئيّا لا يستلزمه من حيث إنّه محال ، بل إنّما يستلزمه من حيث هو معقول يجب أن يحضر فى العقل تابعا لملزومه. وكونه محالا هو أمر ما له فى ذاته غير متعلّق بملزومه.
__________________
(١). الواضع هنا أيضا الحكيم الطوسىّ ، وإنّما كان هذا أيضا من أجوبته للأسئلة.