ويشبه أنّ ما ليس مساقه إلى تشويش الفلسفة هو أنّ المعلول الأوّل بطباع جوهره وبخصوص ذاته وهويّته يستدعى أن يستند وجوده إلى العلّة الأولى الواجبة الوجود فى ذاتها وعدمه إلى عدمها بما هى واجبة فى ذاتها. والمحال بالذّات لا يكون من لوازم الماهيّة بالنّسبة إلى ممكن ، لكنّه قد يكون من لوازم تحقّقه فى الواقع. فكلّ عدم هو ممكن بالذّات فإنّما يقع ويصير وقوعه ضروريّا بالاستناد إلى عدم هو محال بالذات إمّا ابتداء أو على سبيل الانتهاء إليه أخيرا. وإنّما يكون ممتنعا بالغير ؛ لامتناع ذلك بالذّات بتّة. فإذا كان هو متعيّنا بالعليّة ، لعدم ما ممكن ، كان لازما لتحقّقه لا محالة.
وأمّا ما يقال (١) : «إنّ المعلول الأوّل إن اعتبر فى نفسه فعدمه ممكن بهذا الاعتبار وليس يستلزم عدم الواجب بهذه الحيثيّة ؛ وإن اعتبر من حيث إنّ وجوده واجب بالعلّة ، فعدمه ممتنع بهذا الاعتبار ومستلزم لعدمها. لكن عدمه ليس ممكنا بالذّات من هذه الحيثيّة حتى يلزم إمكان لازمه».
فإن كان يعنى بأوّل شقّيه : أنّ العقل إذا جرّد النّظر إلى ذاته ولم يعتبر معه غيره لم يجد فيه علاقة اللّزوم ، فذلك لا يصادم استلزام عدمه عدم الواجب بحسب نفس الأمر ، بل هو محفوظ بحاله ؛ لأنّ الاستلزام بحسب الوقوع هو امتناع الانفكاك فى التحقّق. ومن المستبين أنّ المعلول ممتنع التّخلّف عن العلّة الموجبة. فإمكان الملزوم وامتناع اللاّزم بحسب نفس الأمر ليس يندفع بذلك.
وإن كان يعنى : أنّه على ذلك التّقدير لا يكون مستلزما له بحسب نفس الأمر ، فهو غير خفىّ البطلان ؛ فإنّه معلوله بحسب نفس الأمر. فكيف لا يكون مستلزما لعلّته.
وإن كان يعنى : أنّ جهة الاستلزام ومناطه حيثيّة العليّة ، لا حيثيّة جوهر الذّات ولا حيثيّة الإمكان بالذّات ، فالّذى يقول : الممكن قد يستلزم المحال ليس هو دائما
__________________
(١). عنى به صاحب المحاكمات.