ثمّ الحدوث كيفيّة التقرّر أو الوجود المتأخّر عن الجعل والاتّحاد المتأخّر عن الحاجة المتأخّرة عن الإمكان. فإذا كان هو علّة الحاجة أو معتبرا فيها كان يتقدم على نفسه بمراتب.
ولو عورض بمثله على نفى عليّة الإمكان ، فإنّه أيضا كيفيّة التقرّر والوجود.
قيل : الإمكان كيفيّة نسبة مفهوم التقرّر والوجود إلى الذّات فى لحاظ العقل ، لا وصف النّسبة العقليّة ، أى كون الشّيء متقررا أو موجودا بالفعل من حيث حصول هذه النّسبة بالفعل ، فإنّما يلزم أن يتأخّر من مفهوم الماهيّة والتّقرّر والوجود فى لحاظ العقل ، لا عن فعليّة النّسبة بحسب ظرف التقرّر. وأمّا الحدوث فهو وصف التقرّر والوجود بالفعل ، ولا يوصف (١٠٠) به الماهيّة ولا وجودها إلاّ حين ما هى متقرّرة موجودة.
ولم يرتب ذو بصيرة فى أنّه متأخّر عن الجعل والإيجاد ، فإنّما يصحّ أن يقال : جعل واوجد فحدث ؛ لا حدث فجعل واوجد ، وإن كان تأخّره عن التّقرّر والوجود حتّى يحلّ أن يقال : تقرّر فحدث ووجد فحدث مشكوكا فى جوازه عند بعض أولى الأذهان ممّن لا يستصوب إلاّ أن يقال : تقرّر وحدث معا ووجد وحدث معا.
وبالجملة ، الحدوث يتأخّر عن الجعل والإيجاد تأخّرا بالذّات فى لحاظ الفعل ، والإمكان يتقدّم. فالسّابغ : أنّ الإمكان فالجعل والإيجاد والجعل والإيجاد فالحدوث ، لا الحدوث فالجعل والإيجاد.
فإن أعيد إلى التّهويش : بأنّ ذلك ديدن الحدوث بمعنى مسبوقيّة التّقرّر بالفعل والوجود بالفعل باللّيسيّة والعدم فى طرف ما ؛ فلم لم يوجد بمعنى كون الشّيء فى لحاظ العقل بحيث لو تقرّر ووجد فى طرف ما كان من اعتبارات ذاته أنّ تقرّره مسبوق باللّيس ووجوده بالعدم بحسب ذلك الطرف ، فيصير ديدنه ديدن الإمكان فى التقدّم بتّ عوده : بأنّ ذلك إنّما جدواه تقدّم الحدوث على التقرّر والوجود بالفعل ، لا ترتّب الجعل والإيجاد عليه.
أليس العقل المثقّف يجد أنّ كون الشّيء بحيث لو تقرّر كان اعتباره المسبوقيّة