أمّا قبل فرض نفس السّواد ـ لست أقول : قبل فرض السّواد سوادا ـ فيمكن أن يجعل الجاعل نفس السّواد على سبيل الوجوب ويكون ذلك الوجوب سابقا على تقرّره ، وقد ورد الفرق بين الوجودين فى حكمة الميزان.
فإذن ، هذا تدليس مغالطىّ من جهة اللّفظ المشترك ، لأنّ الوجوب يدلّ على المعنيين بالشّركة اللّفظيّة ومن جهة سوء اعتبار الحمل أو وضع ما ليس بعلّة علّة ؛ فإنّ الماهيّة السّواديّة مغايرة لكون السّواديّة سواديّة. والمدّعى : أنّ السّواديّة ليست بجعل جاعل. والدّليل على كون السّواديّة سواديّة ليس مجعولا ، وكون نفس السّواد من الغير ليس علّة لعدم كون السّواد سوادا عند عدم الغير ، بل إنّما هو علّة بطلان نفس ذات السّواد عند عدم الغير. وإنّما علّة ذلك كون السّواد سوادا من الغير. وليس كون نفس السّواد من الغير يستلزم كون السّواد سوادا من الغير.
وفيه أيضا تلبيس سفسطىّ آخر ؛ فإنّا إذا قلنا فى السّواد كان معناه : أنّ السّواد المتقرّر فى زمان ليس بمتقرر الذّات فى زمان بعده ، ويكون حمل غير المقدّر على المتصوّر منه، لا على المتقرّر الخارجىّ.
فالحمل والوضع بالحقّ أنّ المعقولات فى العقل ولا يكونان فى الخارج. وهكذا القول فى حصول الوجود من الجعل الموجد. وأمّا الموصوفيّة بالوجود فهى وإن كانت أمرا اعتباريّا لكنّها من الاعتباريّات الحقيقيّة الواقعة فى نفس الأمر. فيجب استنادها إلى علّة وراء اعتبار العقل هى نفس جاعل الماهيّة. والتّقسيم فيها مغشوش غير عائد.
ألم يكن عرّفناك من قبل أنّ الموصوفيّة المترتبة على الجعل هى آلة ارتباط الماهيّة والوجود ، ويستحيل أن يلحظ ملتفتا إلى حالها بالقصد ما دامت ملحوظة بما هى رابطة بينهما. فإن اعتبرت بما هى مفهوم ما لم تكن آلة الارتباط ، بل كانت أمرا معقولا بنفسه مباين الذّات لها فى التعقّل. وإذن كانت شاكلتها شاكلة جملة الماهيّات من جهة الاستناد إلى جاعل يجعل نفسها.
٤ ـ ومنها : أنّ رجحان العدم على الوجود لو كان بمرجّح لكان فيه تأثير. لكنّ