افتقاره إلى العلّة الموجبة. فقد ظهر أنّه لا خلاف فى هذه المسألة.
ففضّحه بعض من يحمل عرش التّحقيق والتّحصيل : بأنّ هذا صلح من غير تراضى الخصمين. وذلك لأنّ المتكلمين بأسرهم صدّروا كتبهم بالاستدلال على وجوب كون العالم محدثا من غير تعرّض لفاعله ، فضلا عن أن يكون فاعله مختارا أو غير مختارا. ثمّ ذكروا بعد إثبات حدوثه أنّه محتاج إلى محدث وأنّ محدثه يجب أن يكون مختارا ، لأنّه لو كان موجبا لكان العالم قديما. وهو باطل بما ذكروا أوّلا.
فظهر أنّهم ما بنوا حدوث العالم على القول بالاختيار ، بل بنوا الاختيار على الحدوث، وأمّا القول بنفى العلّة والمعلول فليس بمتّفق عليه عندهم ؛ لأنّ مثبتى الأحوال من المعتزلة قائلون بذلك صريحا. وأصحاب هذا الرّجل ـ أعنى الأشاعرة ـ يلتزمون ، فى القدماء الثّمانية الّتي يثبتونها مع المبدأ الأوّل ، بالمعنى وإن لم ينصّوا عليه باللفظ. فقد ظهر أنّهم غير متّفقين على القول بنفى العلّة والمعلول مع اتّفاقهم على القول بالحدوث.
وأمّا الفلاسفة ، نقد أثبتوا للمبدإ الأوّل القدرة والاختيار على أكمل الوجوه ، إلاّ أنّهم قالوا : إنّ الفاعل المختار الأزلىّ إذا كان تامّا فى الفاعليّة فإنّ فعله يكون أزليّا.
ويفضّحه أيضا : أنّه كيف لا يكون هاهنا خلاف ، وبين الخلاف فى علّة الحاجة أهى الإمكان أو الحدوث وبين هذا الخلاف تلازم متكرّر من الطرفين. والأوّل ثابت عند هذا الرّجل.
<٢٦> مصباح إضائيّ
إذ قد تحققت : أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه إلاّ بعلّة مرجّحة من خارج ، والأولويّة بالنّظر إلى الذّات مستحيلة الجواز ، ككفّتى الميزان المتساويتين لا يمكن أن يترجّح إحداهما على الاخرى من غير أن ينضاف إليها شيء آخر ؛ فالآن تعرّف أنّ تلك العلّة لا بدّ أن توجب الطرف الرّاجح الّذي هو معلولها. فالأولويّة الخارجيّة الغير البالغة مبلغ الوجوب غير مجدية ، كما ظنّه قبائل من العامّة المتسمّية