القبليّة والبعديّة المخصوصتان وإن كانتا من الإضافات الّتي لا توجد إلاّ فى العقول؛ فإنّ ثبوتهما فى العقل بحسب نحو وجود الأشياء فى الأعيان يفضى إلى وجود معروض لهما بالذّات مع تلك الأشياء ، وهو الزّمان. فالزّمان هو الموجود فى الخارج تلحقه القبليّة لذاته ، ويلحق ما سواه ، ممّا يقع فيه بسببه فى العقل. أمّا نفس القبليّة ، فليست من الموجودات المختصّة بزمان دون زمان ؛ لإنّها أمر اعتبارىّ يصحّ تعقّله فى جميع الأزمنة ؛ وإن اخذت من حيث تقع بحسب التّعقّل فى زمان بعينه كان حكمها حكم سائر الموجودات فى لحوق قبليّة أخرى يعتبرها الذّهن لها ولا يتمادى الأمر إلى غير النّهاية ، بل يتقطّع بانقطاع الاعتبار الذّهنىّ وكونهما إضافيّتين يجب أن توجدا معا ليس يصادم أنّ معروضهما متّصل غير قارّ الذّات ؛ لأنّ الإضافيّتين العقليّتين يجب أن يوجد معروضاهما معا فى العقل ، لا فى الأعيان ؛ وعدم الحادث يصحّ أن يتّصف بالقبليّة باعتبار المقارنة لمعروضها ؛ إذ العدم المقيّد بشيء ما يكون معقولا بسبب ذلك الشّيء ويصحّ لحوق الاعتبارات الوجوديّة العقليّة به من حيث هو معقول.
<٥> توثيق إخصافيّ
إنّ فى هذا العروض بالذّات ـ وهو المسمّى بالزّمان ـ حقيقة متجدّدة متصرّفة بذاتها ، تنفرض فيها قبليّات متصرّمة وبعديّات متجدّدة مطابقة للأجزاء المنفرضة فى المسافة والحركة ومتصلة اتصالهما. فهو مقدار الحركة الّتي هى التّقضّى والتجدّد ، ويضاهى سائر المقادير فى استحالة التّألّف من غير المنقسمات ، وليس له ماهيّة غير اتّصال الانقضاء والتّجدّد.
كما أنّ الكم المتصل هو مقدار الجسم ولا حقيقة له سوى امتداد الجسم. فكذلك الاتصال امتداد ليس يتجزّى إلاّ فى الوهم ، فليس له أجزاء بالفعل ، ولا فيه قبليّة وبعديّة قبل التّجزية. ثمّ العقل بمعونة الوهم ربما يحلّله إلى أجزاء تخرجها من القوّة إلى الفعل. فتلك هى القبليّات والبعديّات.
ولسنا نعنى بذلك : أنّ الزّمان تلزمه تلك لذاته وتلزم سائر الأشياء بسببه ؛ فإنّ