التّقدّم والقبليّة هو معنى لذات جزء ما من أجزاء الزّمان ، وليس معنى ما يكون لذاته وثابتا مع ثبات ذاته ، ومستحيل فيه أن يبقى مع ذات الجزء الآخر الّذي معناه البعديّة استحالة لذاته ، ومستحيل فيه أيضا أن يصير مع.
وأمّا الشّيء الّذي له هذا المعنى فلا يستحيل فيه ذلك ؛ فإنّه تارة يوجد وهو قبل ، وتارة يوجد وهو مع ، وتارة يوجد وهو بعد ، وهو واحد بعينه. فنفس الشّيء الّذي هو قبل وبعد لذاته لا يجوز أن يبقى هو بعينه (١٢٨) ، فيكون بعدا بعد ما كان قبلا ؛ فإنّه ما جاء المعنى الّذي به الشّيء بعد ، إلاّ وبطل ما هو به قبل ، والشّيء ذو هذا باق مع بطلان الأمر القبل.
فإذن ، إنّما نعنى أنّ ذلك النّحو من القبليّة لا يزيد على حقيقة الزّمان ، بل ما به القبليّة هى نفس أجزاء الزّمان ، سواء كان القبل والبعد هى أو غيرها ، فكلّه جزء من أجزاء الزّمان هو نفس القبل والقبليّة باعتبارين. وكذلك ما به المعيّة فيما يجرى فيه المعيّة الزّمانيّة ؛ فإنّه أيضا بعينه هو جزء من أجزاء الزّمان.
فإذن ، التّقدّم والتّأخّر ليسا بعارضين يعرضان الأجزاء فيصيّرانها متقدّمات ومتأخّرات ، بل إنّ تصوّر عدم الاستقرار الّذي هو حقيقة الزّمان يستلزم تصوّر التّقدّم والتّأخّر للأجزاء المفروضة فيه لعدم الاستقراء ، بل هما جزء آن منه أو حدّان مفروضان فيه.
فالسّؤال : ب «أنّه لم اختصّ هذا الجزء أو هذا الحدّ بالتّقدّم والآخر بالتّأخّر مع تشابه الجزءين أو الحدّين وتساويهما فى الحقيقة» يرجع إلى مثل أن يقال : «لم اختصّ هذا الجزء من المقدار بهذا الحدّ أو هذا الحدّ بهذا الوضع». ولعلّك لا ترتاب فى أنّ هذيّة الجزء لا تحصل بدون ذلك ، فيصير حاصل هذا السّؤال : أنّه لم كان هذا بهذا؟ فهذا معنى عروض التقدّم والتّأخّر للزّمان بالذّات.
فأمّا ما له حقيقة غير عدم الاستقرار يقارنها ذلك فإنّما يصحّ حمل المتقدّم والمتأخّر عليه بتصوّر عروضهما له. فنحن إذا قلنا : اليوم وأمس ، لم نحتج إلى أن نقول : اليوم متأخّر عن أمس ؛ لأنّ نفس مفهوميهما تتضمّن معنى هذا التّأخّر. وأمّا