فالتّقدّم والتّأخّر (١) من جهة ما هما للحركة معدودان لها ، فإنّها بأجزائها تعدّ المتقدم والمتأخّر. فالحركة لها عدد من حيث لها فى المسافة تقدّم وتأخّر ومقدار بإزاء مقدار المسافة.
فإذن ، ما أيسر لك أن تحاول تحديد حقيقة الزّمان : بأنّه كميّة الحركة ومقدارها ما دامت على اتّصالها وعددها إذا انفصلت إلى متقدّم ومتأخّر ، لا بالزّمان ، بل من جهة ما يتبع انقسام المسافة. وأمّا إذا اعتبرته كميّة (١٢٩) وعددا لها لا من جهة المسافة ، بل من جهة التّقدّم والتّأخّر اللّذين لا يجتمعان ؛ فربما أفضى بك إلى الوقوع فى الدّور إلاّ بارتكاب تسامح ما (٢).
ثم إنّ من فلاسفة الإسلام من يجعل الزّمان مقدار الحركة من جهة المتقدّم والمتأخّر اللذين لا يجتمعان بحسب الوجود الغير القارّ ، ومنهم من يجعله مقدارها من تلك الجهة ، لكن بحسب الوجود القارّ فى العقل ، أى : من حيث يجمع العقل متقدّمتها ومتأخّرتها.
ولعلّ الأشبه بالحقّ والأعذب فى ذوق التّحقيق أنّ وجود الحركة فى الذّهن لمّا كان بحسب حدوث الارتسام غير قارّ وبحسب البقاء قارّا ، فالزّمان هو مقدار للحركة بحسب الوجود البقائىّ القارّ الذّهنىّ وفوق ذلك معنى هو سرّ الحقّ وحقّ التّحصيل. وهو أنّ الحركة الممتدّة لمّا كانت على اتصالها أمرا موجودا فى الخارج نحوا ما من الوجود وإن لم يكن لها وجود قارّ فى افق الزّمان بحسب الأجزاء المفروضة فيها. فإذن ، الزّمان مقدار الحركة بحسب وجود مجموعها ذلك النّحو من الوجود فى الأعيان بحسب وعاء الدّهر.
__________________
(١). تفريع على المقدّمة السابقة. أعنى قوله ، مدّ ظلّه ؛ إلاّ أنّ الأجزاء المتقدمة فى المسافة ، الخ ، أى : فيكون للتقدّم والتأخر فى الحركة خاصيّة تلحقها من جهة ما هما للحركة ليس من جهة ما هما للمسافة ويكونان معدودين بالحركة فإنه ... شرح.
(٢). بارتكاب تسامح ما. وقد ذكر وجه التسامح فى حاشيته على كتابه الموسوم بالصراط المستقيم. ليطلب من هناك أى : الّذي هو تحت تصرّفه.