<٩> مقالة تلويحيّة
أما عندك من المستبين أنّ المقدار الممتدّ لا يعرض شيئا على سبيل الانطباق عليه ما لم يكن فيه صلوح لأن يقال : إنّه متّصل ممتدّ. والحركة لا تصلح لذلك من حيث سنخ طبيعتها ، بل إنّما من جهة المسافة على أنّ يتكمّم بنفس كميّة المسافة الخارجة عنها. فهذا المعنى المصحّح لعروض المقدار الّذي هو الزّمان يتقدم فى المحلّ على عروض الحالّ تقدّما بالطبع ، فيكون علّة لوجود الحالّ ، أعنى الزّمان ولعروضه لمحلّه ، أعنى الحركة.
ألست إذا لاحظت الحركة فى ذاتها حكمت أنّها حقيقة هى كمال بالقوّة أو خروج من قوّة إلى فعل. وليس فى طبيعة هذا المعنى أنّ هناك بعدا ما بين المبتدأ والمنتهى متّصلا قابلا للقسمة الوهميّة ؛ بل إنّما يعلم ذلك بنوع من النّظر يحقّق أنّ هذا المعنى إنما يوازى المقدار المتصل لا غير. فلا يدخل فى ماهيّتها تقدّر واتّصال ، بل إنّما يكون لها ذلك من جهة المسافة واتّصال المسافة يصير علّة لوجود التّقدّم والتّأخّر فيها.
فالحركة بحسب اتّصال المسافة تقتضى وجود مقدار لها هو الزّمان باتّصاله ، وبحسب انفراض الأجزاء فى ذلك الاتصال المستلزم لحصول المتقدّم والمتأخّر فى الحركة تقتضى وجود عدد لها هو الزّمان من حيث الانفصال إلى القبليّات والبعديّات. فإذن ، الحركة متصلة من جهتين ، وعلّة اتّصال الزّمان اتّصال المسافة بها بتوسّط اتّصال الحركة بها.
ولسنا نعنى بذلك : أنّه علّة لضرورة الزّمان متّصلا ؛ كيف وهو متّصل بذاته لا بعلّة ولا بأمر عارض ، بل إنّما نعنى عليّته لذات الزّمان المتصل بذاته. فاتصال المسافة من حيث ما هو اتصال للحركة علة لوجود الزّمان الّذي هو بذاته متصل واتّصال لذاته وللحركة. وليس يصحّ أن يفرض للحركة اتصال بسبب اتصال المسافة حتى يكون هناك اتصال آخر غير اتصال المسافة واتصال الزّمان. وأمّا اتّصال الزّمان فإنّه أمر حالّ فى الحركة عارض لها. فإذن علّة الحركة علّة للزمان وهو بنفس ذاته متصل. كما أنّ سبب الحرارة سبب لنفس الحركة الّتي هى كيفيّة بذاتها ، والحركة علّة للزّمان.