ذاته ، كالحركة التّوسّطيّة كان لا محالة مشتملا على متقدم ومتأخّر لا يجتمعان ويصحّ أن يتصوّر مرور ممتدّ بهما ، فله بهذا الاعتبار مقدار غير قارّ هو الزّمان وينطبق تلك الهويّة على ذلك المقدار ويكون جزؤها المتقدّم مطابقا لزمان متقدّم وجزؤها المتأخّر مطابقا لزمان متأخّر. ومثل هذا الوجود يسمّى متغيّرا تدريجيّا ، ولا يوجد بدون الانطباق على الزّمان ، والتّغيّرات الدّفعيّة إنّما تحدث فى آن هو طرف الزّمان. فهى أيضا لا توجد بدونه.
وأمّا الامور الثّابتة الّتي لا تغيّر فيها أصلا ، لا تدريجيّا ولا دفعيّا ، فهى وإن كانت مع الزّمان العارض للمتغيّرات ، لا أنّها مستغنية فى حدّ نفسها عن الزّمان والآن بحيث إذا نظر إلى ذواتها أمكن أن تكون موجودا قبلا بلا زمان وآن.
فإذن ، إذا نسب متغيّر إلى متغيّر بالمعيّة أو القبليّة فليس بدّ هناك من زمان أو آن فى كلا الجانبين (١). وإذا نسب ثابت إلى متغيّر فلا بدّ من الزّمان فى أحد جانبيه دون الآخر. وإذا نسب ثابت إلى ثابت بالمعيّة كان الجانبان مستغنيين عن الزّمان والآن وإن كانا مقارنين لهما ، فهذا حدّ سبيل الفلسفة.
وأمّا محطّ رحل الحكمة فهو أنّه إذا نسب ثابت إلى ثابت بالقبليّة كان هناك انفصال دهرىّ غير زمانىّ وكان الجانبان مستغنيين عن الزّمان والآن وليسا بمقارنين لهما أصلا.
وبالجملة ، فهذه المعانى حقائق محصّلة متفاوتة قد عبّر عنها بعبارات مختلفة تنبيها على تفاوتها. وإذا تؤمّل فيها تأمّلا غائرا فى عمق التّحصيل انمحق ما اختلقه أبو البركات البغدادىّ ، من أنّ الزّمان مقدار الوجود وأنّ الباقى لا يتصوّر بقاؤه إلاّ فى زمان ، وما لا يكون حصوله فى الزّمان ويكون باقيا لا بدّ من أن يكون لبقائه مقدار من الزّمان.
ولم يستبن له أنّ الزّمان إنّما هو مقدار لهيئة غير قارّة. وكيف يتهيّأ لذى طباع
__________________
(١). أى : من وقوع الامتداد أو اللاّامتداد فى كلا الجانبين بحسب انطباق أحد المنسوبين على الآخر الّذي هو زمان أو آن أو بحسب انطباق المنسوبين جميعا على الشيء ثالث مغاير لهما هو لزمان أو آن. منه مدّ ظلّه.