حاضر والماضى موجود ؛ لأنّ الأشياء الّتي هناك دائمة على حال واحدة لا تتغيّر ولا تستحيل ، وإنّما هى الحال الّتي يجب أن تكون علّتها فلا تزول» (ص ١٠١).
وقال فيه : «والشّيء الدّائم هو أبدا على حالة واحدة لا تنتقل. فأمّا أمس ومنذ شهر ومنذ سنة وما أشبه ذلك ؛ فإنّه من حيّز السّلوك ، والحركة هى الّتي تجعل منذ أمس ومنذ شهر ومنذ سنة ، ... وكذلك حركة الفلك والكواكب فإنّما هى واحدة عند أنفسها ، ونحن نقسّمها فنصيّرها كثيرة ونجعله عدد الأيّام ، وذلك أنّ اللّيل يتلو النّهار. فإذا كان كذلك جزّئت الأيّام وكثر عددها. فأمّا العلو فإنّ اليوم فيه واحد ، وليست هناك أيّام ، لأنّ ما هناك نهار كلّه لا يتلوه ليل» (ص ١٠٥).
وقال فيه : «السّالك طريقا ما إذا صار فى موضع آخر من هذا الطريق الأرضىّ فارق أوّله. وأمّا السّالك فى أرض الحياة فإنّه يسلك إلى أقصى تلك الأرض من غير مفارقة منها لأوّلها ، ويكون فى أوّلها وآخرها وفيها بين ذلك فى حالة واحدة» (ص ٩٦).
وقال فى الميمر الخامس : «إنّ العقل ابدع تامّا كاملا بلا زمان ... وأنّ العقول ، أى الأشياء الّتي فى العالم الأعلى ... علة بدئها هى علّة غايتها ؛ لأن بدأها وتمامها معا ليس بينهما فرق ولا زمان. فتكون أذن علّة تمامها مع علّة بدئها سواء» (ص ٧٢).
وفى الميمر الثانى أوضح : «أنّ النّفس ما دامت فى هذا العالم فيما من جهة حيّز الزّمان. فإذا اتصلت بالعالم الأعلى صارت من حيّز الدّهر. وليس فى العالم الأعلى جوهر مستحيل ولا علم مستحيل. وإذا كانت الأشياء هناك ظاهرة بيّنة ثابتة دائمة وعلى حال واحدة ، ولم تكن للنفس حاجة إلى ذكر شيء ، بل ترى الأشياء دائما» (ص ٣٠).
ثمّ قال : «فنقول : إنّ كلّ علم كائن فى العالم الأعلى الواقع تحت الدّهر لا يكون بزمان ، لأنّ الأشياء الّتي فى ذلك العالم كوّنت بغير زمان ، فلذلك صارت النّفس لا تكون بزمان. ولذلك صارت النّفس تعلم الأشياء الّتي كانت تتفكّر فيها هاهنا أيضا بغير زمان ولا تحتاج أن تذكرها ، لأنّها كالشّيء الحاضر عندها : فالأشياء العلويّة