<١٤> تسجيل فيه هداية وتحصيل
كأنّ الآن قد استبان لك من الذّائعات المحققة من مذهب الفلاسفة : أنّ ترتّب أجزاء الزّمان وتعاقبها ، وبالجملة ، تعاقب كافّة المتعاقبات إنّما يكون بالقياس إلى ما وجوده تحت الكون وفى حيطة الزّمان.
وأمّا من يتعالى عن افق الزّمان ويرتفع عن محتد الزّمانيّات ، أعنى القيّوم الواجب الذّات ، جلّ ذكره ؛ فإنّ وجوده لا يكون مشمولا للزّمان ولا هو مقارن الزّمانيّات مقارنة زمانيّة ، بل هو وجود صرف سرمدىّ محيط بالامتداد والاستمرار والزّمان والزّمانيّات.
فالامور التّدريجيّة لا تعاقب لها بالنّسبة إليه أصلا ؛ بل إنّما تحضر عنده معا دفعة غير متخلّف آخرها عن أوّلها فى الحضور عنده. أليس لا يكون علّة الزّمان والأكوان الزّمانيّة تحت الكون والزّمان ، بل يكون كونا بنوع آخر أعلى وأرفع من هذا الطّور محيطا بالزّمان وبما فيه من الزّمانيّات ، بل بجميع الأشياء من أوّلها إلى آخرها ، ضربا ما من الإحاطة أعلى وأشدّ من الّتي لمحيط الدّائرة بالنّسبة إلى سطحها أو مركزها أشديّة لا متناهية المرّات. فكلّ إحاطة تامّة من تلك الإحاطة المتقدّسة المجهولة الكنه ، وكلّ الأشياء من مبدعها القدّوس الأعلى كنحو الظلّ من ذى الظلّ ، بل كبرياؤه أرفع من ذلك كلّه. وكلّ ما فيه تقريب من وجه فهو تبعيد من وجوه شتّى. فكم بين الإحاطة الوهميّة الزّمانيّة أو الجسميّة المكانيّة وبين الإحاطة النّوريّة السّرمديّة الخارج اكتناهها عن طوق طاقة العقل.
فإذن ، الأوّل ، تعالى ، كما لا يقرب منه مكان بالنّسبة إلى مكان ، بل إنّ جملة الأمكنة والمكانيّات سواسية عنده بالقرب والبعد ، فكذلك لا يقرب منه زمان بالنّسبة إلى زمان ، بل إنّ جميع الأزمنة والزّمانيّات وجملة الوجودات والموجودات سواسية عنده بالحضور لديه.
فإذن ، ليس هناك ماض أو مستقبل أو حال ، بل هو محيط بالكلّ دفعة واحدة