على ما ستبيّن سبيله فى مقامه.
فإذن ، قد انصرح أنّه إن ارتفع ما هو ثابت الذّات عن افق الزّمان وما يعتوره ويعتريه من الأحكام والأعراض لم يصحّ أن يوصف بأنّه ينفصل عنه شيء ما انفصالا زمانيّا أو آنيّا أو تقرن معه معيّة زمانيّة أو آنيّة إذا كان يمتنع أن يتخلّل بينه وبين شيء ما امتداد زمانىّ أو لا امتداد آنيّ ، (١٤٦) كما أنّه يمتنع أن يقع بينه وبين مكانىّ ما ، بل شيء ما بعد أو لا بعد مكانىّ.
فإذا نسب إلى متغيّر لم يكد يتصوّر امتداد واستمرار متقدّر أصلا ، لا فى ذات المنسوب ولا فى النّسبة باعتبار نفسها ولا بحسب عدم استقرارها بالقياس إلى أجزاء المتغيّر وحدوده بالمقارنة والمفارقة ؛ إذ لم يكن هى من النّسب المقدّرة الزّمانيّة ، بل كانت النّسبة إلى جميع تلك الأجزاء والحدود متشابهة من جهة المنسوب مطلقا إذا لم يكن فيه بحسبها تجدّد حال ما لم يكن أو تقضّى حال ما لم تكن كانت أصلا ، ومن جهة المنسوب إليه بالقياس إلى ذات المنسوب فقط إذا كان ذات المنسوب مع كلّ واحد واحد من أجزاء المنسوب إليه وحدوده ومع جميعها فى الوجود أبدا على وصف واحد معيّة سرمديّة غير متقدرة ، لا مقارنة زمانيّة أو آنيّة. وأمّا المنسوب إليه فى حدّ نفسه بالقياس إلى نفس ذاته فله الامتداد وأجزائه وحدوده فى حدّ أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض متتالية.
فإذن ، لا يكون لمن هو ثابت الذّات على هذا الوصف وهو المحيط بكلّ شيء أزلا وأبدا بقاء زمانىّ ، بل يجلّ جناب مجده عن ذلك ، حيث الأمر فيه أرفع وكبرياؤه أعلى ؛ اللّهمّ إلاّ على مجرّد التّسمية الشّرعيّة ؛ إمّا رعاية للمجاز التّشبيهىّ تنزّلا إلى استيناس الفطر العاميّة وإمّا بناء على أنّ ما هو أقدس وأرفع من ذلك ، ثابت ثقة بعدم استيحاش المدارك الخاصّة ، لعدم التباس الأمر على الّذين هم للحقائق متفهمون وللأسرار مستشعرون. ولذلك فى صفاته وأسمائه ـ عزّ ذكره ـ نظائر كثيرة.
وإذا لوحظ نسبة ذاته القدّوس إلى مكان ومكانىّ وكميّة قارّة لم يكد يتصوّر بعد كميّ قارّ مكانيّ ولا لا بعد كذلك ، بل كان هو بالقياس إلى مجموع المنسوب إليه.