لا انبتات وجود الشّيء فى الأوّل والآخر. (١)
ويقولون : الأزليّة الغير الزّمانيّة هى كون الشّيء لا أوّل له ولا هو ممّا يتعلق بالحركة وينتسب إلى الزّمان ويتصوّر فيه التّغيّر والتجدّد كما فى المفارقات ؛ والأبديّة الغير الزّمانيّة هى كون الشّيء لا آخر لوجوده (١٤٧) ولا هو من الامور المرتبطة بالزّمان والحركة.
وهذه الأبديّة لا تغاير هذه الأزليّة بالمعنى ، بل بالاعتبار فقط ، بخلاف الزّمانيّين ، ولذلك ما إنّ أكثر التّعبير عن مفارقات المادّة عندهم بالأبديّات ، وربما يطلق الأزليّة أو الأبديّة الغير الزّمانيّة عندهم على مجرّد كون الشّيء غير متعلّق الحصول بالزّمان والحركة.
وأزليّة البارى الأوّل ـ تعالى ـ وأبديّته نفس هذا المعنى السّلبىّ. قالوا : «إنّ له صفات عدميّة ، أعنى لا صفتيّة ، كالوحدة ؛ فإنّ معناها أنّه موجود لا شريك له أولا جزء له. وإذا قيل : إنّه أزليّ ، أى : إنّه لا أوّل لوجوده ، فإنّما يعنى سلب حدوث عنه أو سلب وجود متعلّق بالزمان ، والسّلوب والإضافات لا يتكثّر بها الذّات ، فإنّ الإضافة معنى عقلىّ لا وجود له فى ذات الشّيء. والنّفى والسّلب معا عدميّة ، أى رفع الصّفات عن الشّيء ولو كان لمثل هذه السّلوب ألفاظ محصّلة ، مثل الوحدة والأزليّة ، ربّما ظنّ أنّها صفات محصّلة. وقد تكون ألفاظ محصّلة ومعانيها غير محصّلة ووجوديّة بل سلبيّة ، وقد تكون ألفاظ غير محصّلة ومعانيها محصّلة ووجوديّة. والأوّل كالواحد والفرد ، والثّاني كالّلاأعمى» أى : البصير (٢) ؛ والأزليّة
__________________
(١). فالأبديّة هى اعتبار آخر غير اعتبار الأزليّة ، لا أنّهما مختلفان بحسب الحقيقة. وإنّما اعتبار الأبديّة أن يلحظ أنّ الشيء الموجود مع المبدأ الحقّ فى الواقع لا ينقطع وجوده ولا يرتفع عن وعاء الدّهر بعد تحقّقه. وأمّا الأبديّة الزّمانيّة فهى مخالفة الأزليّة الزّمانيّة بالذّات وبحسب المعنى ، لا أنّها فى جهة المستقبل من الأزمنة والأزليّة فى جهة الماضى منها. سمع منه ره.
(٢). قوله : والثانى كاللاأعمى اى البصير. تتمة العبارة فى التعليقات ، بهذه الألفاظ : «وهذا كما يقال : الغنىّ والفقير ، فإنّ الغنىّ ليس إلاّ اضافة ذى المال إلى ماله ، لا صفة موجودة فى ذات ذى المال ؛ والفقير معى عدمىّ ومعناه : أنّه ليس بذى مال. وليس لهاتين الصّفّين وجود فى ذات صاحبيهما. فصفات واجب الوجود لذاته إمّا أن تكون لوازم له ، فلا يتكثر بها على ما ذكرنا وإمّا أن تكون عارضة له من خارج. وذلك إمّا معنى إضافىّ وإمّا معنى عدمىّ ، فلا يتكثّر بها» ، انتهى. منه ، رحمه اللّه تعالى.