الكون فى الوسط والآن السّيّال يحصل منهما الحركة المتصلة والزّمان الممتدّ فى الأعيان ؛ على أنّ الأمر هناك على سبيل التّخييل وهاهنا على سبيل التّحقيق والتّحصيل.
وبالجملة ، إذا لم يكن للحركة القطعيّة حصول فى الأعيان لم يكن المتحرّك حال تحرّكه فى الأعيان شيئا من المسافة المتصلة أصلا. ولم يكن له بحسب الحركة الّتي له فى الأعيان موافاة وموازاة بالنّسبة إلى المقدار المتصل المسافيّ بتّة ، ضرورة أنّ المسافة المتصلة تكون حينئذ مطابقة للحركة المعدومة المنطبقة على الزّمان المعدوم ، فلم يصحّ أنّه نال مسافة متّصلة بحركة ما متّصلة فى زمان ما متّصل ، بل إنّما يكون له بحسب تلك الحركة أنّه يكون فى الأعيان ما دامت له الحركة متوسّطا بين حدود المسافة ، ولا يكون يقطع فى الأعيان شيئا من المسافة ، لا بقطع متصل ولا بقطوع منفصلة وإن كان يرتسم من ذلك فى الخيال أمر متصل فإذن يكون قد مرّ المتحرك فى الإتيان على شيء متصل ولم ينله ولا ... وأفاد بقطعة متصلا. فإذن يرجع المرتسم الخيالىّ إلى أن يكون من اعتمالات الحواسّ ، لا على محاذات حال الشّيء فى الأعيان.
فإن انجال على وهمك : أنّ الكون فى الوسط على الوصفين فى الأعيان هو الّذي يرتسم الممتدّ فى الخيال بحذائه ؛ صرم جولانه بأنّ الكون فى الوسط على الوصفين ، إنّما للكائن فى الوسط بحسبه على ذلك التّقدير أن يكون متوسّطا بين حدود المسافة فى زمان الحركة أبدا ولا يكون له نيل المسافة المتّصلة ولا نيل شيء من أبعاضه ولا نيل شيء من حدوده بالفعل البتة ، بل بالقوّة (١) ، على معنى أنّه إذا ثبتت
__________________
(١). قوله «بل بالقوّة على معنى الخ إشارة إلى دفع ما قاله الإمام الرازىّ فى بعض مصنفاته ، من أنه يحصل له هذا الفعل بالقوّة وإن لم يحصل له بالفعل. وهذا كاف لنا فى هذا المقام. فاشار المصنف بقوله «بالقوة» إلى معنى إنّه الخ. وملخصه أن هذا الدليل إنّما يصح إذا قلنا بوجود الحركة القطبيّة فى الخارج ، فإنّ للمتحرك حينئذ أفراد آنيّة وزمانيّة ، فحين انبتات الحركة تلبس المتحرك بفرد من الافراد الزمانيّة. فيكون له على هذا التقدير صلوح أن يكون هو مطابق موافاة المتحرك للمسافة المتصلة فى زمان الحركة وقطعه اياها بذلك القطع المتصل المرتسم فى الخيال وله صلوح أن يكون بحذائه ارتسام ذلك المتصل منه. وأما اذا قلنا بوجود الحركة التوسطية لم يكن للمتحرك حين الحركة إلاّ أفراد آنية. فإذا ثبتت الحركة تلبس المتحرك بفرد منها بالفعل فلا يكون له على ذلك التقدير إلاّ صلوح أن يكون هو مطابق الحكم بموافاة المتحرك للحدّ المعيّن من المسافة المتصلة فى زمان الحركة وليس هذا بحذائه ارتسام ذلك المتصل فى الذهن ، فيعود ذلك الارتسام حينئذ تخيلا اعتماليّا. تبصّر. سمع منه ره.