وأمّا المساوقة الاتّفاقيّة ، فلأنّ الطّبائع والمفهومات مرتسمة بأسرها فى الأذهان العالية والقوى المفارقة ، فموضوعات جميع السّوالب ثابتة ريثما ينعقد السّلب ينعقد إيجاب السّلب على العموم.
ثمّ الحكم فى الحمليّة إن كان بالاتّحاد على البتّ سمّيت حمليّة غير بتّيّة وإن كان بالاتّحاد بالفعل على تقدير انطباق طبيعة العنوان على فرد. وإنّما يحصل بتقرّر ماهيّة الموضوع ووجودها سمّيت حمليّة غير بتّيّة ، وهى مساوقة فى الصّدق للشّرطيّة ، لا راجعة إليها ، كما يظنّ (١). أفكيف وقد حكم فيها بالاتّحاد بالفعل على المأخوذ بتقدير ما ، لست أقول على سبيل التّوقيت (٢١) أو التّقييد حتّى يكون قد فرض موضوع وتمّ فرضه فى نفسه ، ثمّ خصّص الحكم عليه بتوقيت أو تقييد له ، أى عاد المحكوم عليه إلى أن يكون هو الطبيعة الموقّتة أو المقيّدة ، بل إنّما على سبيل التّعليق المتمّم لفرض الموضوع فى نفسه ، حيث لم يكن بالفعل طبيعة متقرّرة أصلا. ولعلّ بين الاعتبارين فرقا يذهل عنه المتفلسفون. والبيّنة إنّما تستدعى تقرّر الموضوع ووجوده بالفعل ، وغير البيّنة تقرّره ووجوده على التّقدير لا بالفعل.
ومن هذا السّبيل يدفع الإعضال فى الحمل الإيجابيّ على مفهومات الممتنعات ، كاجتماع النّقيضين ممتنع ، وشريك البارى محال بالذّات ، والخلأ معدوم ، وأمثالها ؛ فإنّ للعقل أن يعتبر مفهومى النّقيضين ويحكم بالتّناقض بينهما : إمّا بمعنى أنّ أحدهما رفع للآخر والآخر مرفوع به ، أو إنّهما لا يجتمعان ولا يرتفعان ، إمّا فى أنفسهما إن كان فى العقدين أو عن موضوع ما إن كان فى المفردين وأن يتصوّر جميع المفهومات حتّى عدم نفسه وعدم العدم والمعدوم المطلق والمعدوم فى الذّهن وقاطبة الممتنعات ، لا على أن يكون ما يتصوّره هو حقيقة الممتنع ، إذ كان كلّ ما يتقرّر فى ذهن يحمل عليه أنّه ممكن ما من الممكنات ، بل على أن يتصوّر المفردات ويضيف بعضها إلى بعض ، فيتمثّل فيه مفهوم اجتماع النّقيضين
__________________
(١). الظّانّ هو صدر المدققين ومن تبعه.